محاكمات | المقدمة الاولى | 75
(1-90)

ان قوة الكلام وقدرته: ان تتجاوب قيوده، وتتعاون كيفياته، ويمد كلٌ بقدره مشيراً الى الغرض الاصلي ويضع اصبعه على المقصد. فيكون مثالاً ومصداقاً لدستور:
عباراتنا شتى وحسنك واحدٌ وكلٌ الى ذاك الجمال يشير
وكأن القيود مسيل ووديان، والمقاصد حوض في وسطها يستمد منها.
حاصل الكلام: يلزم التجاوب والتعاون والاستمداد، لئلا تتشوش صورة الغرض المرتسمة على شبكة الذهن والملتقطة بنظر العقل.
اشارة: ينشأ التناسب ويتولد الحسن ويلمع الجمال بنشوء الانتظام من هذه النقطة.
فتأمل في كلام رب العزة ﴿ولئن مسَّتهم نفحة من عذاب ربّك..﴾(الانبياء:46) المسوقة للتهويل، وتخويف الانسان، وتعريفه بعجزه وضعفه. فبناءً على القاعدة البيانية: "ينعكس الضد من الضد" ترى الاية الكريمة تبين تأثير القليل من العذاب بقصد التهويل والتخويف، فكل طرف من الكلام يمدّ المقصد، وهو التقليل عن جهته وذلك بـ:
التشكيك والتخفيف في لفظ "إنْ".
والمسّ وحده دون الاصابة في "مسّت".
والتقليل والتحقير في مادة "نفحةٌ" وصيغتها وتنكيرها.
والتبعيض في "مِن"
والتهوين في "عذاب" بدلاً من نكال.
وايماء الرحمة في "ربك".
كل ذلك يهول العذاب ويعظمه باراءة القليل، اذ ان كان قليله هكذا فكيف بعظيمه.. نسأل الله العافية!

تنبيه:

لايوجد صوت