فان شئت التفت الى ما قبل هذه المقالة، تجد امثلة كثيرة حول هذه المسألة منها: "ان مفتاح دلائل اعجاز الايات وكشاف اسرار بلاغتها،البلاغة العربية لا الفلسفة اليونانية" او راجع الاشارة التي هي في خاتمة المسألة الاولى من المقالة الاولى، فان فيها : "ان شريعة الخليقة او الشريعة الفطرية قد فرضت على الارض المجذوبة السائحة الا تشذ عن صف النجوم المقتدية بالشمس".
نعم ان الارض مع قرينتها قالتا: ﴿أتينا طائعين﴾(فصلت:11) والطاعة في الجماعة افضل.
فتأمل الآن في هذه الامثلة، فان كل مثال يُريك من امامه ومن خلفه مقامات، بحيث تبرز مقامات اخرى خلفها.
المسألة السادسة
ان ثمرات الكلام هي: المعاني المتولدة في صور متعددة والمتفجرة في طبقات متفاوتة. فكما هو معلوم لدى الكيمياويين: ان الذهب عند استحصاله، يمرر في انابيب معامل متعددة ويرسب ترسبات مختلفة في طبقات متفاوتة ويشكل باشكال متنوعة. وفي الختام يحصّل على قسم من الذهب. كذلك الكلام الذي هوخريطة مختصرة اخذت من صورة المعاني المتفاوتة، فالمفاهيم المتفاوتة تتشكل صورها كالآتي:
انه باهتزاز قسم من احاسيس القلب بتأثيرات خارجية، تتولد الميول. وبتكّون معان هوائية منها وتعلّقها بنظر العقل توجِّه العقل الى نفسها.. ثم بتكاثف قسم من ذلك المعنى البخاري يبقى قسم من الميول والتصورات معلقة.. ثم بتقطر قسم آخر يرغب فيه العقل.. ثم القسم المائع يتحصل منه ويُصلّب، فيضمه العقل ضمن الكلام.. ثم ذلك المتصلب لانه يتجلى ويتمثل برسم خاص به، يُظهره العقل بكلام خاص حسب قامته المخصوصة.
بمعنى ان المتشخص من المعنى يأخذه العقل ضمن صورة خاصة للكلام. ومالم يصلّب يسلّمه ليد الفحوى، ومالم يتحصل يحمله على اشارات الكلام وكيفياته، ومالم يتقطر يحيله الى مستتبعات الكلام، ومالم يتبخر يربطه باهتزازات الاسلوب واطوار المتكلم التي ترافق الكلام.