محاكمات | المقدمة الاولى | 79
(1-90)

ومن هذا النبع ينفجر مسمّى (الاسم)، ومعنى (الفعل)، ومدلول (الحرف) ومظروف (النظم)، ومفهوم (الهيئة)، ومرموز (الكيفية)، ومشار (المستتبعات) ومحرك (الاطوار المشايعة للخطاب) ومقصود (الدال بالعبارة) ومدلول (الدال بالاشارة) والمفهوم القياسي (للدال بالفحوى) والمعنى الضروري (للدال بالاقتضاء) وامثالها من المفاهيم كل منها ينعقد في طبقة من طبقات هذه السلسلة.
فان اشتقت فتطلع في وجدانك تشاهد هذه المراتب، وذلك اذا ما ألقى محبوبك شعاع حسنه وبريقه من نافذة العين الى الوجدان؛ فذلك العشق المسمى بالنار الموقدة، يحرق مباشرة الحسيات ويلهبها، فتتهيج الآمال والميول، فتثقب تلك الامال مباشرة سقف ذلك الخيال الذي في الطبقة العليا. ويستغيث فتسعى الى تلك الآمال الخيالاتُ الممسكة بيدها محاسن المحبوب او المشبعة بمحاسن غيرها، فتهاجم معاً وتنطلق من تلك الخيالات الى اللسان وتستردف ميل زلال الوصال، وتضع على يمينها آلام الفراق، وتضع في يسارها التعظيم والتأدب والاشتياق، وتضع امامها محاسن المحبوب المقتضي للعطف والترحم، فتنشر تحية ثنائها، وتنظم قلائد مدحها، المتجلية من الكل بوصف الفضائل المستجلب لزلال الوصال، المطفئ للنار الموقدة على الافئدة . فانظر كم من المعاني ترفع رأسها من غير الطبقات التي تعرفها.
فان لم تخف فانظر الى وجدان كل من ابن الفارض وابي الطيب المنبهر اكثر من عيونهما، وتأمل في ترجمان الوجدان في:
غرستُ باللحظ ورداً فوق وجنتها حقٌ لطرفي ان يـجني الذي غرسا(1)
وايضاً:
فللعين والاحشاء اول هل أتى تلا عائدي الآسي وثالث تبت(2)
وايضاً:
صدٌّ حَمى ظمأي لُماكَ لماذا وهواك قلبي صار منه جذاذاً(3)

-------------------------------------------------------------------

(1) وفي رواية الديوان: غرست باللحظ ورداً فوق وجنته... ص177 دار صادر - بيروت.
(2) اول هل اتى : اراد به سورة من القرآن الكريم اولها (هل أتى ...) تلا: من التلاوة، والقراءة. وثالث تبت: اراد بها ثالث لفظة من سورة (تبت يدا ابي لهب...) وهي: ابو لهب. يريد الشاعر: انه اصبح كأنه لم يكن شيئاً مذكوراً ، وصارت احشاؤه تكنى بأبي لهب، لشدة اشتعالها بنار الوجد (ص 42 من الديوان).

لايوجد صوت