نعم! لو لم تكن في الكلام حقيقة ففي الاقل لابد فيه من شبيه للحقيقة وما يستمد من نظامها والتسنبل على نواتها. ولكن لكل حبة سنبلها الخاص فلا تتسنبل الحنطة شجرة.
فان لم تؤخذ فلسفة البيان بنظر الاعتبار، فالبلاغة تكون كالخرافة لا تغني السامع غير الحيرة.
اشارة: ان للنحو فلسفته كما للبيان فلسفته. هذه الفلسفة تبين حكمة الواضع وهي مؤسسة على المناسبات المشهودة المشحونة بها كتب النحو، فمثلاً لايدخل عاملان على معمول واحد. وان لفظ (هل) ما ان يرى الفعل الاّ ويطلب الوصال بلا صبر، وان الفاعل قوي، والقوى يضم الضمة لنفسه. فهذه وامثالها نظائر القوانين الجارية في الكائنات وفي الخارج.
تنبيه:
ان هذه المناسبات النحوية والصرفية - التي هي حكمة الواضع - وان كانت لا تبلغ درجة فلسفة البيان الاّ ان لها قيمة رفيعة جداً. فمثلاً: تحول العلوم النقلية الثابتة بالاستقراء الى صور العلوم العقلية.
المسألة الثامنة
ان تلقيح المعاني البيانية وانقلاباتها، انما هو: بتشرب معنى الكلمة الحقيقي بغرض الكلام او جذبه بمعنى من المعاني المعلقة الى جوفه، وحالما يدخل فيه يرجع المعنى الى الحقيقة والاساس التي هي صاحب البيت. اما المعنى الذي هو صاحب اللفظ الاصلي فيرجع الى صورة حياتية تمدّه، وتستمد من المستتبعات. هذا هو السر في وجود معان عدة لكلمة واحدة ومنه ينبع التلقيح والتبادل والانقلاب.
فمن لم يفهم هذه النقطة فاتته بلاغة عظيمة.