محاكمات | المقدمة الاولى | 83
(1-90)

اشارة: وكم من شئ يركب عليه فيستحق لفظ "على" ولكن ما ان يكون ظرفاً، فانه يستدعي لفظ "في" كـ: "تجري في البحر".. او آلة تستلزم لفظ "باء" كـ: "صعدت السطح بالسلم" ولكن لكونها مكاناً او مركوباً تقتضي ايضاً "في" و"على".. او يكون غاية فيطلب "الى" و "حتى" ولكن لكونه علةً وظرفاً يناسبه "اللام" و "في" كـ﴿والشمس تجري لمستقرلها﴾. فقس.
تنبيه:
قدّم ضمن هذه المعاني المتداخلة وصرِّح ما كان امسّ لغرضك واقرب رحماً الى القصد، وشيّع الباقي وضمّنه. والاّ كان المعنى عرياناً عاطلاً من حلّة البيان.

المسألة التاسعة
ان أعلى مراتب الكلام وكماله الذي يُعجز الارادة الجزئية والتصور البسيط للانسان هو: تضمن الكلام واستعداده بتعدد المقاصد المتداخلة المتسلسلة، وبتسلسل المطالب المرتبطة المتناسلة، وباجتماع الاصول المولدة لنتيجة واحدة، وباستنباط الفروع الكثيرة المولدة لثمرات متباينة. وذلك:
ان الذي يعطي الكلام عظمة وسعة هو: ان المقاصد القادمة من ابعد هدف واعلاه - وهو مقصد المقاصد - يرتبط بعضها ببعض، ويكمل احدها نقصان الاخر، ويؤدي الواحد منها حق جاره، حتى كأن وضع هذا في موضعه يمكّن الآخر في مكانه، ويقرّ الاخر في مستقره.. وهكذا كلٌ يأخذ محله الملائم له؛ فتنصب تلك المقاصد في قصر الكلام المشيد بملاحظة نسب يمين هذا وشماله وكل جهاته. وكأن المتكلم استعار عقولاً الى عقله للتعاون، وغدا كل مقصد من تلك المقاصد جزءاً تشترك فيه التصاوير المتداخلة، بمثل ما اذا وضع رسام نقطة سوداء في صور متداخلة، فانها تكون عين هذا ومنخر ذاك وفم هذا وشامة ذلك.. وهكذا ففي الكلام ارفيع نقاط امثال هذه ..
النقطة الثانية:

لايوجد صوت