محاكمات | المقدمة الاولى | 76
(1-90)

هذا نموذج نسوقه لك. ان قدرت فقس عليه. فان جميع الآيات القرآنية يتلألأ عليها هذا الانتظام والتناسب والحسن. ولكن قد تتداخل المقاصد وتتسلسل، وتصبح توابع، كل منها مقارنة مع الاخرى دون اختلاط. فلابد من الحذر والانتباه. لأن النظرة العابرة كثيراً ما تزل في هذه المواضع.


المسألة الخامسة
ان اصل الكلام وصورة تركيبه يفيد المقصد نفسه، كما ان غناه وثروته وسعته هو في بيان لوازم الغرض وتوابعه وهزّه بتلميحات مستتبعاته وباشارات الاساليب؛ اذ التلميح او الاشارة اساس مهم يهزّ عطف الخيالات الساكنة ويستنطق جوانبها الساكتة، فيهيّج الاستحسان في اقصى زوايا القلب.
نعم! ان التلميح او الاشارة انماهو لمشاهدة اطراف الطريق ومطالعتها، وليس للقصد والطلب والتصرف. بمعنى ان المتكلم لايكون مسؤولاً فيه.
فان احببت فادخل في هذه الابيات لترى ما يستحق المشاهدة:
فانظر الى شعرات لحية الشيخ الذي اعتلى فرسه واراد ان يعرض فتوته تجاه حسناء، تجد فيها مفاتيح بلاغة كثيرة..
فدونك الابواب افتحها:
قالتْ كبرتَ وشِبتَ قلتُ لها هذا غبار و قايع الدهر(1)
وايضاً:
ولا يروّعك ايماض القتير به فان ذاك ابتسام الرأي والأدب(2)
اي لايخوفك ابيضاض شعرات فان نور العقل والادب قد سالا من الدماغ الى اللحية.
وايضاً:

---------------------------------------------------------

(1) قول ابن المعتز (اسرار البلاغة 322).
(2) وفـي رواية الـديوان: فلا يؤرقك ايمـاض القتير... والقتير: الشـيب. والبيت للطائي الكبير يمدح الحسن بن سهل.

لايوجد صوت