محاكمات | عنصر العقيدة | 112
(91-136)

يقتدر هو بانفراده عليها كلها، ولهذا احتاج الى الامتزاج مع ابناء جنسه، ليتشاركوا فيتعاونوا، ثم يتبادلوا ثمرات سعيهم. ولكن لتجاوز قوى الانسانية على الاخرين - بسر عدم التحديد - تحتاج الجماعة الى العدالة في تبادل ثمرات السعي.. ثم لان عقل كل واحد لا يكفي في درك العدالة، احتاج النوع الى وضع قوانين كلية.. ثم لمحافظة تأثيرها ودوامها، لابد من مقنن يجريها.. ثم لادامة حاكمية ذلك المقنن في الظاهر والباطن يحتاج الى امتياز وتفوق - مادة ومعنىً - و يحتاج ايضاً الى دليل على قوة المناسبة بينه وبين مالك الملك صاحب العالم.. ثم لتأسيس اطاعة الاوامر وتامين اجتناب النواهي يحتاج الى ادامة تصور عظمة الصانع وصاحب الملك في الاذهان.. ثم لإدامة التصور ورسوخ العقائد يحتاج الى مذكّر مكرِر وعمل متجدد، وما المذكِّر المكرِّر الاّ العبادة... وهذه العبادة توجه الافكار الى الصانع الحكيم، وهذا التوجه يؤسس الانقياد. والانقياد هو للايصال الى النظام الاكمل والارتباط به. وهذا النظام الاكمل يتولد من سر الحكمة، وسر الحكمة يشهد عليها اتقان الصنع وعدم العبثية.
فاذا علمت هذه الجهات الثلاث من تمايز الانسان عن سائر الحيوانات انتج لك بالضرورة: ان النبوة المطلقة في نوع البشر قطب بل مركز ومحور تدور عليه احوال البشر وذلك كالاتي:
دقق النظر في الجهة الاولى:
انه لما لم يكف ميل الانسان الطبيعي وسوق انسانيته، وقصر نظره، واختلاط الاوهام في طريق عقله.. احتاج البشر اشد الحاجة الى مرشد ومعلم.. فذلك المرشد هو النبيy.
ثم تدبر في الجهة الثانية:
ان اللاتناهية المغروزة في الانسان، وميله الى التجاوز في طبيعته، وعدم تحدد قواه، وعدم انضباط آماله. هذه اللاتناهية في الميول والآمال لايسعها قانون البشر الذي لا ينطبق على قامة استعداده النامية كثمرة لميله الى الترقي الذي هو غصن من شجرة ميل الاستكمال في العالم.

لايوجد صوت