والاضطراب، لاتسع كمالات الانسانية، بل تحتاج تلك الكمالات الى عالم ارحب لا تزاحم فيه، كي يتسنبل استعداد البشر وينمو نمواً كاملاً، فيكون منسجماً مع نظام العالم بانتظام احوال كمالاته.
ولقد اُومئ الى الحشر استطراداً، وسيُبرهن بالبرهان القاطع في موضعه. ولكن الذي اريد قوله هو:
ان استعداد الانسان مسدّد نحو الأبد. فان شئت فتأمل في جوهر الانسانية، وقيمة ناطقيته، ومقتضى استعداده، ثم انظر الى الخيال الذي هو اصغر خادم لجوهر الانسانية، واذهب اليه وقل: ايها الخيال السيد، أبشر فسيوهب لك عمراً يزيد على ملايين السنين مع سلطنة الدنيا وما فيها.. ولكن عاقبتك الفناء والعدم وعدم العودة الى الحياة. ثم انظر كيف يقابلك الخيال؟ أبالبشارة والسرور ام بالحسرة والندامة؟
بل ان جوهر الانسانية سيئنّ في اعماق الوجدان:
آه.. واحسرتاه.. على فقدان السعادة الابدية. وسيعنف الخيال ويزجره: يا هذا لا ترض بهذه الدنيا الفانية.
فياايها الاخ!
ان كانت سلطنة الدنيا الفانية لا تشبع خادم سلطان الانسانية او شاعره او صناعه او مصوره - وهو الخيال - ولا ترضيه، فكيف تشبعه وهو السيد الذي يعمل بين يديه الكثيرون من امثال ذلك الخادم؟
نعم انها لا تشبعه، ولن تشبعه الا السعادة الابدية المكنونة في صَدَف الحشر الجسماني.
النقطة الثالثة:
هي اعتدال مزاج الانسان، ولطافة طبعه، وميله الى الزينة، اي ميله الفطري الى العيش اللائق بالانسانية.
نعم ! ان الانسان لايعيش عيش الحيوانات، ولايسعه ذلك فهو محتاج لتحصيل حاجاته في مأكله وملبسه ومسكنه الى تلطيفها واتقانها بصنائع جمة، لا