محاكمات | عنصر العقيدة | 113
(91-136)

فعدم كفاية هذا القانون البشرى الحاصل نتيجة تلاحق الافكار والتجارب التدريجية، لإنماء بذور ثمرة استعدادات الانسان، احتاج الى شريعة الهية حية خالدة تحقق له سعادة الدارين معاً مادةً ومعنىً، وتتوسع حسب قامة استعداداته ونموها...
فالذي اتى بالشريعة هو النبيy.
 اذا قلت: اننا نشاهد ان احوال الملحدين او ذوي الاديان المنحرفة تجري على وفق العدالة والانتظام.
الجواب: ان تلك العدالة والانتظام انما نشآ بتذكير اهل الدين وارشاداتهم. فاسس العدالة والفضيلة شيّدها الانبياء عليهم السلام. اي ان الانبياء هم الذين ارسوا تلك القواعد والاسس. ثم اخذ هؤلاء بالفضيلة وعملوا بها ما عملوا، زد على ذلك فان نظامهم - وكذا سعادتهم - ليس دائماً بل موقتاً، فهو ان كان قائماً ويستقيم من جهة فهو منحرف ومائل من جهات كثيرة. اي: مهما يبدو منتظماً في صورته ومادته ولفظه ومعاشه الاّ انه في سيرته ومعناه وروحه فاسد ومختل.
ايها الاخ! الآن بدأ دور الجهة الثالثة. تفكر جيداً في الآتي:
ان الافراط والتفريط في الاخلاق يفسدان الاستعدادات والمواهب. وهذا الافساد ينتج العبثية، وهذه العبثية مناقض للحكمة الالهية المهيمنة برعاية المصالح والحكم حتى على اصغر شئ في العالم.
ان مايقال من "مَلَكة معرِفة الحقوق" اي التحسس احساساً مادياً بضرر كل ماهو فاسد، وكذا مايقال من "ملكة رعاية الحقوق" الحاصلة من تنبيه الافكار العامة وبث الوعى فيها. هذان الامران يجعلهما الملحدون بديلاً عن الشريعة الالهية. ان تصورهم هذا واستغناءهم عن الشريعة توهم باطل ليس الاّ. لأنه لم يظهر لحد الآن شيء من هذا الأمر في الدنيا وقد هرمت، بل حتى مقدماته! وانما صح العكس، اذ كلما رقت المحاسن رقت المساوي ايضاً وتزينت بارغب زي واخدعه.
نعم! ان نواميس الحكمة لا تستغني عن دساتير الحكومة، كما تحتاج البشرية اشد الحاجة الى قوانين الشريعة والفضيلة الحاكمة على الوجدان.
وهكذا فملكة تعديل الاخلاق الموهومة لا تكفي للمحافظة على القوى الثلاثة في الحكمة والعفة والشجاعة، لذا فالانسان بالضرورة محتاج الى نبي يمسك بميزان العدالة الالهية النافذة والمؤثرة في الوجدان والطبائع.

لايوجد صوت