الناس ولاسيما العوام، تقريبها الى افهام العوام بطريق سهل واضح.. اهذا مطابق المعنى بوضوح تام أم الوهم الذي في ذهنك؟ كن انت الحاكم في هذا.
اما الجواب عن الريب الثاني:
وقد مرّ تفصيله في المقدمة الثانية.
فاعلم ان في شجرة العالم ميل الاستكمال، وتشعب منه في الانسان ميل الترقي، وقد تشكلت العلوم التي هي كدرجات سلم الترقي من ثمرات ميل الترقي بالتجارب الكثيرة وتلاحق الافكار. هذه العلوم مترتبة ومتعاونة ومتسلسلة، بحيث لاينعقد المتأخر الاّ بعد تشكل المتقدم، ولا يكون المتقدم متقدمةً للمؤخر الاّ بعد صيرورته كالعلوم المتعارفة.
فبناء على هذا السر: فان العلم الذي تولد وظهر في هذا الزمان نتيجة تجارب كثيرة لو كان قبل عشرة عصور، وحاول احدٌ أن يفهّمه للناس لشوش عليهم واوقعهم في السفسطة والمغلطة.فمثلاً: لو قيل "انظروا الى سكن الشمس وحركة الارض واجتماع مليون حيوان في قطرة، لتتصوروا عظمة الصانع!" وجمهور العوام بسبب الحس الظاهري او غلط الحس يرون خلاف ما قيل لهم من البديهيات، اذاً لانساقوا الى التكذيب او مغالطة نفوسهم، او المكابرة تجاه شئ مخصوص، والحال ان تشويش الاذهان ـ لاسيما في مقدار عشرة اعصر مناف لمنهاج الارشاد.
تنبيه:
ان امثال هذه المسائل لاتقاس بالنظريات التي تظهر في المستقبل لان الحس الظاهري لايتعلق بالاشياء التي تعود للمستقبل، لذا فاحتمال الجهتين وارد. لانه ضمن دائرة الممكنات، فيمكن الاعتقاد والاطمئنان بها. فحقها الصريح التصريح بها، ولكن "مانحن فيه" لماخرج من درجة الامكان والاحتمال الى درجة البداهة اي الى الجهل المركب، فحقه في نظر البلاغة الذي لا يمكن انكاره هو: الابهام والاطلاق لئلا تتشوش الاذهان. ولكن مع ذلك لابد من الرمز والايماء او التلويح الى الحقيقة، وفتح الابواب للافكار ودعوتها للدخول كما عملت الشريعة الغراء. فيا هذا أمِن الانصاف وتحري الحقيقة ان تتوهم ما هو ارشاد