محاكمات | عنصر العقيدة | 127
(91-136)

ثالثتها: ان قسماً من ظواهر القرآن أمَيل الى خلاف الدليل العقلي، فيحتمل خلاف الواقع، وهو مخالف لطريق القرآن الذي هو التحقيق والهداية.
ايها الاخ! اقول وبالله التوفيق، ان ما تتصورونه سبباً للنقص - في هذه النقاط الثلاثة - ليس كذلك، بل هو اصدق شاهد على اعجاز القرآن.
 اما الجواب عن الريب الاول: وقد رأيت هذا الجواب ضمناً مرتين:
اعلم ان الجمهور الاكثر هم عوام، والاقل تابع للاكثر في نظر الشارع. لان الخطاب المتوجه نحو العوام يستفيد منه الخواص ويأخذون حصتهم منه، ولوعكس لبقي العوام محرومين. وان جمهور العوام لايجردون اذهانهم عن المألوفات والتخيلات، فلا يقتدرون على درك الحقائق المجردة والمعقولات الصرفة الاّ بمنظار متخيلاتهم وتصويرها بصورة مألوفاتهم. لكن بشرط ان لا يبقى نظرهم على الصورة نفسها حتى يلزم المحال، كالجسمية او الجهة بل يمر نظرهم الى الحقائق.
مثلاً: ان الجمهور انمايتصورون حقيقة التصرف الالهي في الكائنات بصورة تصرف السلطان الذي استوى على سرير السلطنة، كما في قوله سبحانه وتعالى: ﴿الرحمن على العرش استوى﴾(طه:5)، واذ كانت حسيات الجمهور في هذا المركز، فالذي يقتضيه منهج البلاغة ويستلزمه طريق الارشاد، رعاية افهامهم واحترام حسياتهم ومماشاة عقولهم ومراعاة افكارهم. فهذه المنازل التي يراعى فيها عقول البشر ويحترم تسمى بـ "التنزلات الالهية" فهذا التنزل لتأنيس اذهانهم. راجع المقدمة العاشرة.
فلهذا وضع صور المتشابهات التي تراعي الجمهور المقيدين باحاسيسهم ومتخيلاتهم منظاراً على نظرهم لرؤية الحقائق المجردة. ولهذا فقد اكثر الناس في كلامهم من الاستعارات لتصور المعاني العميقة او لتصوير المعاني المتفرقة، في صورة سهلة بسيطة، بمعنى ان هذه المتشابهات من اكثر اقسام الاستعارات غموضاً، اذ انها صور مثالية لأخفى الحقائق الغامضة، بمعنى ان الاشكال انما هو من دقة المعنى وعمقه لا من اغلاق اللفظ وتعقيده.
فيا ايها المرتاب! انظر بانصاف ! الا يكون من عين البلاغة - التي هي مطابقة مقتضى الحال - تقريب مثل هذه الحقائق العميقة البعيدة عن افكار

لايوجد صوت