س: كان المسلمون هم الأغنياء وكان اولئك هم الفقراء، الاّ ان الآية انعكست الآن، فما الحكمة؟.
ج: هناك سببان لهذا حسب علمي:
الأول: الفتور في السعي وعدم الرغبة خلافاً لما هو مستفاد من الأمر الربّاني: ﴿وأن ليس للإنسان الاّ ماسعى﴾(النجم:39) وانطفاء جذوة شوق الكسب المستفاد من الأمر النبوي بأن [الكاسب حبيب الله](3) وذلك نتيجة إيحاءات بعض الرجال وتلقينات قسم من الوعاظ الجاهلين، اولئك الذين لم يدركوا ان اعلاء كلمة الله في الوقت الحاضر يتوقف على الرقي المادي... ولم يتفهموا قيمة الدنيا [من حيث هي مزرعة الآخرة].. ولم يميّزوا بين متطلبات القرون الوسطى والقرون الأخرى.. ولم يفرقوا بين قناعتين بعيدتين عن بعضهما "القناعة في التحصيل والكسب" وهي المذمومة والقناعة في المحصول والاجرة، وهي الممدوحة.. ولم يتبينوا البون الشاسع بين "التواكل" الذي هو عنوان الكسل و "التوكل" الذي هو صَدَفَة الاخلاص الحقيقي.
فالاول: هو تكاسل في ترتيب المقدمات وهو في حكم التمرد على النظام القائم بين الأسباب التي هي مقتضى مشيئة الله تعالى. والآخر: هو توكل ايماني في ترتُّب النتائج، وهو من مقتضيات الاسلام، والذي يقود صاحبه الى التوفيق حتى في النتائج شريطة عدم التدخل في التقديرات الإلهية.
فالتَبَسَ عليهم كلا الأمرين... ولم يتفرسوا سرّ (أمتّي.. أمتّي)(1) ولا يفهمون حكمة (خير الناس أنفعهم للناس)(2) فهؤلاء هم الذين حطموا ذلك الميل وأطفأوا ذلك الشوق...
والسبب الثاني: هو سلوكنا في المعيشة مسلكاً غير طبيعي، مسلكاً يوافق الكسل ويلائمه، ويداعب الغرور ويربت عليه، وهو المعيشة على الوظيفة الحكومية.. لذا لقينا جزاء ما كسبت أيدينا.
س: كيف؟.
---------------------------------------------------
(3) وفي كشف الخفاء 1 / 157 (افضل الاعمال الكسب الحلال). المترجم.
(1) جزء من حديث الشفاعة الطويل، ذكر الاستاذ المؤلف جزء منه بمعناه. والحديث بطوله أخرجه البخاري برقم 3340 و 3361 و 4712 ومسلم برقم 194 والترمذي برقم 2551 "تحفة" وقال: هذا حديث حسن صحيح، كلهم من حديث ابي هريرة رضي الله عنه باختلاف في السياق.
(2) حديث حسن أخرجه القضاعي في مسند الشهاب وابن عساكر في تاريخ دمشق 2/420/2 وانظر الصحيحة 426 وصحيح الجامع الصغير وزيادته برقم 6538 .