يكسبوك الى صفوفهم. فلمْ تداهنهم، حتى ألقوك في السجن وكادوا اَن يصلبوك، فما رضختَ لهم ولا خنعت اَمامهم بل برزتَ بطلاً شهماً برفضك ما وعدوك من مرتّب ضخم... فأنت اذاً بجانب الحق ولا تميل الاّ اليه، ولا تقول ماتقول انحيازاً اليهم.
ج: نعم، ان الذي عرف الحق، لايستبدل له بشئ، لأن شأن الحق رفيع وسامٍ ما ينبغي أن يُضحّى به لأجل أي شئ كان، ولكني لا أقبل حسن ظنكم هذا، لأنكم قد تحسنون الظن بالمفسد أو المحتال. انظروا الى دليل فكره ونتيجته.
س: كيف نعرف ذلك؟ ونحن جاهلون، نقلّد العلماء أمثالكم.
ج: ان لم تكونوا من أهل العلم، فأنكم من أهل العقل. بدليل؛ لو تقاسمت الزبيب مع احدكم فقد يغبنني بذكائه! فجهلكم اذاً ليس عذراً... اعلموا ان الاشجار المتشابهة تمّيزها ثمراتُها، لذا تبصّروا في ثمرات افكاري ونتاج أفكارهم، فقد تلألأت في احدهما السلامة والطاعة، وتستر في الآخر الاختلاف والفساد. سأضرب لكم مثالاً آخر:
تصوّروا ناراً منيرة تتراءى في هذه الصحراء، فانا أبشركم بأنها نورٌ وليست ناراً، وحتى ان كانت فيها نار فليس الاّ طبقة عليا منها ضعيفة موروثة... فتعالوا اذاً لنحيط بها ونتحلق حولها ونتفرج عليها ونستضئ بها ونقتبس منها حتى تتلاشى طبقة النار ولنستفد منها. فان كانت نوراً -كما قلت- فبه، فقد استفدنا، وان كانت ناراً -كما قالوا- ماضرّتنا، اذ لم نقتحمها. أما هم فيقولون: "أن النار محرقة" فان كان نوراً أعمى قلوبهم وابصارهم لأن النور -الذي يظنونه ناراً- هو نور السعادة(1)، فاينما أشرق لم يُطفأ ولو بصبّ اُلوف القِرَب من دماء ملايين الناس، بل حاول بعض من فينا اطفاءه بضع مرات منذ سنتين إلاّ انهم خابوا.
س: انت قلت انه ليس بنار، ولكن كلامك يشير الى ناريته..؟!
ج: نعم، النور نار للأشرار.
س: ماتقول لأهل الفضيلة من تلك الزمرة؟ وهم أخيار...
ج: هناك كثير من الأخيار يسيئون وهم يحسبون انهم يحسنون صنعاً.
س: كيف يَرِد الشرُ من الخير؟.
ج: طلب المحال حمقٌٌ ووبال على صاحبه، لأن من كانت بغيته حكومة بريئة معصومة فطلبه محال اعتيادي، اذ لماّ لم يكن الشخص الواحد الآن معصوماً فكيف بالشخص المعنوي "الحكومة" الذي كلُ ذرة من ذراته مذنبة؟ فمدار النظر اذاً هو
-------------------------------------------------
(1) وهنا ايضاً قد أحسّ برسائل النور، ولكنه نظر اليها من تحت ستار السياسة فتبدل شكل الحقيقة- المؤلف.