عندما كنت نزيل غرفة في (اميرداغ)(2) تحت الاقامة الجبرية وحيداً فريداً، كانت عيون الترصد تتعقبني وتضايقني دائماً فأتعذب منها أشد العذاب، حتى مللت الحياة نفسها وتأسفت لخروجي من السجن، بل رغبتُ من كل قلبي في ان اعود الى سجن (دنيزلي) او دخول القبر، حيث السجن او القبر افضل من هذا اللون من الحياة. فأتتني العناية الإلهية مغيثة، إذ وهبتْ آلة الرونيو التى ظهرت حديثاً لطلاب (مدرسة الزهراء)(3) وهم يحملون اقلاماً ماسية كآلة الرونيو. فباتت (رسائل النور) تظهر بخمسمائة نسخة بقلم واحد، فتلك الفتوحات التي هيأتها العناية الإلهية لرسائل النور جعلتني أحب تلك الحياة الضجرة القلقة المضطربة، بل جعلتني اردد الف شكر وشكر للبارىء سبحانه وتعالى.
ولكن بعد مرور فترة وجيزة لم يتمكن اعداء رسائل النور المتسترين ان يتحملوا تلك الفتوحات النورية، فنبهوا المسؤولين في الدولة ضدنا وأثاروهم علينا، فاصبحت الحياة – مرة اخرى – ثقيلة مضجرة، الاّ ان العناية الإلهية تجلت على حين غرة، حيث ان المسؤولين أنفسهم – وهم أحوج الناس الى رسائل النور – بدأوا فعلاً بقراءة الرسائل المصادرة بشوق واهتمام، وذلك بحكم وظيفتهم. واستطاعت تلك الرسائل بفضل الله أن تلين قلوبَهم وتجنحها الى جانبها. فتوسعت بذلك دائرة مدارس النور، حيث أنهم بدأوا بقدرها والاعجاب بها بدلاً من جرحها ونقدها. فأكسبتنا هذه النتيجة منافع
-------------------------------------------------
(2) قضاء يقع في اواسط الاناضول، نفي اليها الاستاذ النورسي سنة (1944) وظل فيها حتى سنة1951. – المترجم.
(3) سعى الاستاذ النورسي طوال حياته لاقامة هذه المدرسة التي تدمج فيها الدراسة الدينية والعلمية معاً، حتى وضع حجرها الاساس سنة 1911 قرب بحيرة (وان). الاّ ان ظروف الحرب العالمية الاولى حالت دون اتمام المشروع، ولكن العناية الربانية عوضت عن تلك المدرسة بمدرسة معنوية امتدت اغصانها الوارقة طول البلاد وعرضها، تلك هي المدارس المعنوية النورية، ومن هنا كان الاستاذ النورسي يعد طلاب النور طلاب مدرسة الزهراء. – المترجم.