رائد الشباب | توجيه الشباب | 26
(1-70)
المقالة الثالثة والعشرون

فيها بحثان



من هنا إلى آخر الكتاب من ترجمة

الشيخ خليل عبدالكريم المارديني


﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ *

ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ﴾

البحث الأول

أبين من بين ألوف مزايا الإيمان خمس مزايا في خمس نقط.


النقطة الأولـى

يسمو الإنسان بنور الإيمان إلى أعلى مستوى فيكون أهلاً لدار النعيم، ويتضع بظلمة الكفر إلى أسفل الحضيض فيكون أهلاً للعذاب المقيم. فإن الإيمان نسبة بين الإنسان وربه تتبين فيه من خلاله الصنعة الإلهية ونقوش الأسماء الربانية. والكفر يقطع تلك النسبة فتختفي به تلك الصنعة الإلهية. ولا يبقى للإنسان أي وزن إلاّ من جهة مادته. وبما أن المادة فانية زائلة وحياتها حياة حيوانية قصيرة لايؤخذ لها أي اعتبار.

ولنضرب لهذا مثلاً: وهو أنه هناك أشياء من منتوجات البشر قد تتساوى قيمة فنها ومادتها، وقد تكون قيمة المادة أغلى من قيمة الفن، وقد تكون قيمة الفن أغلى بحيث تكون قيمة مادة –كمادة الحديد- خمسة قروش وقيمة الفن خمس ليرات. حتى أنه يوجد من الأشياء الأثرية ما يكون قيمة مادته مالا يساوي خمسة قروش وقيمة فنه ما يساوي مليون ليرة. فمثل هذا الشيء الأثري إذا ذهب به إلى الأسواق الأثرية وقيل بأن هذا صنعه ذاك الصانع الفلاني الماهر وعرض في ذلك السوق باسمه فسيباع بمليون ليرة. ولكنه إذا هب به إلى سوق الحدادين فيمكن أن يباع بخمسة قروش بقيمة أية قطعة حديد؛ فكذلك هذا الإنسان صنعة الله البديعة ومعجزة قدرته اللطيفة قد تجلى فيه محاسن أسمائه ونقوشها وخلقه الله تعالى ليكون أنموذجاً صغيراً لهذا الكون. فإذا دخله نور الإيمان تقرأ من صحيفته هذه النقوش ذوات المغزى يقرأها كل مؤمن حي القلب ويُقرئها، وهي: (أنا مصنوع الصانع ذي الجلال ومخلوقه تتجلى فيّ رحمته وكرمه).
لايوجد صوت