رائد الشباب | توجيه الشباب | 29
(1-70)
النقطة الثالثة

ان الإيمان نور وقوة يمكن لمن ظفر به أن يبارز الكون وينجو من ازعاج الحوادث ودغدغة النكبات، فيسير بهدوء وطمأنينة في سفينة الحياة التي تجري بين أمواج الحادثات المتلاطمة قائلاً (تّوَكّلْتُ عَلَى اللهِ) تاركاً جميع ما يثقل كاهله ليد قدرة القدير المطلق، فيقطع طريق الدنيا خالي القلب ويصل إلى البرزخ ويستريح. ثم بعد ذلك يمكنه أن يطير إلى الجنة للدخول إلى السعادة الأبدية. وإذا لم يتوكل على الله فلا يمكن ان يطير بهذه الأحمال الشاقة إلى العلى بل ستجره إلى قرارة الحضيض.

وخلاصة القول: أن الإيمان يقتضي التوحيد، والتوحيد يقتضي التسليم، والتسليم يقتضي التوكل، والتوكل يقتضي سعادة الدارين. ولاتظنن ان التوكل هو عبارة عن رد الأسباب وعدم قبولها كلياً، وانما هو عبارة عن العلم بأن الأسباب حجب يد القدرة وان الأخذ بها دعاء فعلي يطلب به المسببات والنتائج من الحق وحده جل وعلا، وبأن تلك النتائج والمسببات منه تعالى والفضل له.

ومثال الذي يتوكل على الله والذي لايتوكل عليه مثل رجلين أخذ كل منهما حملاً ثقيلاً وركبا سفينة عملاقة وكان احدهما اول مادخل السفينة وضع حمله في السفينة وقعد عليه. وأما الآخر فترك حمله على متنه بحماقته وإعجابه بنفسه، وحينما قيل له: (ضع حملك في السفينة واسترح) استدرك قائلاً: لاأضعه فيها فانه يمكن أن يضل وأنا رجل قوي اطيق حمله وسأحميه وهو على متني. فقيل له: هذه السفينة التي تحملنا جميعاً أقوى وآمن، ويمكن أن يدور رأسك وتقع انت ومامعك في البحر. وإذا بقى حملك على متنك فستنهار قوتك شيئاً فشيئاً ويكل ظهرك فلا يطيق الحمل. وإذا رآك ملاح السفينة في هذه الحالة فيتهمك بالجنون فيخرجك او بالخيانة فيصدر الأمر عليك بالسجن. وتكون ايضاً مثاراً للسخرية والاستهزاء، حيث ان تكبرك الذي يلمح بالضعف والعجز وتصنعك الذي يلوح بالرياء والذلة يضعك في هذه الحالة المضحكة.

وبعد ما استمع إلى هذه النصيحة عاد إلى رشده فوضع حمله في السفينة وقعد عليه وقال انا الآن سعيد جداً بهذا رضي الله عنك حيث كنت السبب في نجاتي من تلك الحالة المؤلمة والسخرية.

فيا من هو بعيد عن التوكل تفكر جيداً وعد إلى رشدك مثل هذا الرجل الذي قصصناه وتوكل على الله حتى تنجو من تسول جميع أفراد الكون ومن الارتعاد أمام كل حادثة ومن الرياء والسخرية ومن الشقاوة الأبدية.
لايوجد صوت