رائد الشباب | توجيه الشباب | 31
(1-70)
ومعنى هذا: ان الانسان جاء إلى عالم الوجود حتى ينمو ويكتمل بالمعرفة والدعاء. وكل شيء بماهيته واستعداده له تعلق بالعلم والمعرفة. وأساس كل العلوم الخيرية ومعدنها وروحها هي معرفة الله تعالى؛ كما ان اسس هذا الأساس هو الايمان بالله جل وعلا. وان الانسان بعجزه وفقره المطلق متعرض لما لايحصى من أنواع البلاء وتهاجم الأعداء، وله مطالب كثيرة وحاجات وفيرة. لذلك تكون وظيفة الانسان الفطرية الأساسية بعد الايمان الدعاء وهو رأس العبادة ومخها. فكما ان صبياً لاتصل يده إلى مايتمناه إما يبكي او يطلب مأموله ذاك – أي يدعو بلسان عجزه إما قولا أو فعلا فيوفَق لمقصوده ذاك؛ كذلك ان الانسان في عالم ذوي الحياة بمنزلة صبي نحيف لطيف. فلابد له اما أن يبكي بمعجزه وضعفه او يدعو بفقره واحتياجه حتى يسخر له مقصده أو شكر على ما سُخر له من مقاصده... والا فاذا قال – كالصبي الأحمق الشرير الذي يصرخ من تلاحق ذباب له -: (انا اسخر هذه الأشياء التي لا يمكن له تسخيرها، والتي هي أقوى منه ألف مرة وأديرها بأفكاري وتصوري) وصار يكفر بنعم الله تعالى – فحالة هذه كما تنافي فطرة الانسان الأساسية، كذلك تسبب لان يكون مستحقاً لعذاب أليم.

النقطة الخامسة

كما ان الايمان يقتضي ان يكون الدعاء واسطة بين المؤمن وربه وتطلبه الفطرة الانسانية أشد الطلب؛ كذلك ان الحق جل وعلا يقول في كتابه الكريم: ﴿قُلْ مَايَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلاَ دُعَاؤُكُمْ﴾ ويقول في آية أخرى: ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ ولعلك تقول: ان الآية عامة تصرح بأن كل دعاء مستجاب، وكثيراً ما ندعو فلا يستجاب لنا؟

فنقول: ان الاستجابة شيء وقبول الدعاء شيء آخر. لان كل دعاء مستجاب الا أن قبوله ومنحه عين المطلوب انما هو مناط بالحكمة والمصلحة.

ولنضرب لهذا مثلا: فلنفرض بأن صبياً أصابه مرض يقول للطبيب: انظر إليّ!

فيقول الطبيب: لبيك! قل... ماتريد؟

فيقول الصبي: اعطني هذا الدواء، فالطبيب حينذاك إما يعطيه الدواء الذي يريده أو يعطيه دواء أكثر نفعاً حسبما تقتضيه المصلحة او لايعطيه اي شيء حيث يعلم انه يضره.
لايوجد صوت