رائد الشباب | توجيه الشباب | 27
(1-70)
فالإيمان الذي هو آصرة بين الإنسان وربه يوضح جميع آثار صنعته، ويكون فضله وامتيازه على حسب فضل تلك الصنعة وامتيازها وعلىحسب كونها مرآةً صمدانية، وبذلك يكون هذا الإنسان الذي ليس له أي شيء مخاطباً إلهياً أكرم من جميع المخلوقات وضيفاً ربانياً جديراً بدار الجنان.

وإذا دخله الكفر الذي هو عبارة عن قطع الانتساب تختفي نقوش الأسماء الإلهية ذوات المغزى وراء الظلمات ولاتقرأ. فإنه إذا نسي الصانع لايفهم أي معنى من تلك الجهات الناظرة له وتصير أعاليها سافلها وتخفي أكثر محاسن تلك الصنعة ذات المعاني والنقوش العالية. وما بقي مما يلوح للناظر يحال على الأسباب التافهة والطبيعة والصدف. فيكون كل منها وكأنه زجاج خامل بعدما كان ألماساً قيماً. وتنحصر قيمة هذا الإنسان في مادته الحيوانية وحدها. وغاية هذه المادة ونتيجتها –كما قلنا سابقاً- هي صرفه –وهو أضعف الحيوانات وأكثرها احتياجاً وألماً- حياة جزئية في أيام محدودة. ثم بعدها يكون حطاماً رفاتاً. فيحطم الكفر هكذا ذاتية الإنسان ويبدلها من الألماس إلى الفحم.

النقطة الثانية

إن الإيمان نور يضيء الإنسان ويقرىء ما كتب عليه من المكتوبات الصمدانية ويضيء الكون، وينقذ الماضي والاستقبال من ظلمات العدم.

وأريد أن أكشف عن هذا السر بتمثيل تخيلته حينما قرأت آية ﴿اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾.

وهو أنه تخيلت جبلين شاهقين متساويين في الارتفاع قد بني بينهما قنطرة عظيمة تحتها واد عظيم، وكنت على تلك القنطرة، وكان الظلام قد عم جميع أرجاء الدنيا فنظرت نحو اليمين فرأيت مقبرة عظيمة في ظلمات متكاثفة، ونظرت نحو الشمال فرأيت أمواجاً تصحبها اعاصير شديدة وتقلبات، ونظرت اسفل القنطرة فرأيت جرفاً هاراً. وليس معي في ذلك الحين ماينير امامي في هذه الظلمات المدهشة سوى كهرباء يدوية ضعيفة. فأردت ان اضيء أمامي بها فوجهتها نحو وجتي فاعترتني حالة مفجعة، فصرت وكأني أرى أمامي وحولي دواهي ووحوشاً كاسرة واينما وجهت تلك الكهرباء واجهت هذه الحالة فتمنيت حينذاك عدمها حتى لا أرى هذه الحالة. فقلت في نفسي هذه الكهرباء هي أكبر مصيبة لي وأخذني الغضب فضربتها في الأرض فإذا رأيت ان الظلمات تتبدل وتزول عن آخرها كأني أدرت مفتاح كهرباء تشرق جميع انحاء المعمورة. وصار يرى كل شيء على حقيقته، فنظرت إلى ماكنت اظنه قنطرة فاذا هي جادة في أرض سوية في غاية الحسن والانتظام. ونظرت إلى مارأيته نحو اليمين من المقبرة العظيمة فرأيتها جنات وبساتين ومجالس ذكر وعبادة تحت قيادة رجال تنوروا بنور الايمان والاسلام. ونظرت إلى ماكنت رأيته نحو الشمال من الأمواج ذوات الأعاصير الشديدة والتقلبات والجرف المنهارة فاذا هي مناظر جميلة ومضايف فيها ماتشتهية الأنفس وتلذ الأعين. واما ماكنت ظننته امامي من الدواهي والوحوش الكاسرة فرأيته دواب مؤنسه كالإبل والبقر والضأن والمعز فقلت: الحمدلله على نور الايمان وقرأت آية:﴿اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾ وافقت من هذه الواقعة الخالية.
لايوجد صوت