رائد الشباب | توجيه الشباب | 36
(1-70)

النكتة الثانية

للانسان وجهان:

وجه ينظر من ناحية الأنانية إلى الحياة الدنيا. والآخر ينظر من ناحية العبودية إلى الحياة الباقية. وهو باعتبار الوجه الأول مخلوق نحيف رأس ماله من الجزء الاختياري شيء جزئي كشعره، وله من القوة كسب ضعيف ومن الحياة شعلة تنطفيء عن قريب ومن العمر مدة قليلة تمضي في عجالة، ومن الوجود جسم يبلي في مدة قصيرة من الزمن. ومع هذا ماهو الافرد ضعيف من أفراد الأنواع اللامتناهية المنبثة في حنايا الكون.

وله بإعتبار الوجه الثاني لاسيما من ناحية عجزه وفقره المتوجهين للعبودية دائرة واسعة وأهمية عظمى. لأن الفاطر الحكيم أدرج في كيانه مالايتناهى من العجز والفقر حتى يصير مرآةً كبيرة تتجلى فيها مالايتناهى من تجليات قدير رحيم ليس لقدرته نهاية وغنى كريم ليس لفناه حدود وغاية.

نعم ان الانسان يشبه بذرة. فكما انه أعطى من القدرة للبذرة أجهزة ذات قيمة ومن القدر برنامج هام كي تعمل وتنمو تحت التراب وتخرج من ذلك العالم الضيق إلى عالم الفضاء الواسع، وتطلب بلسان استعدادها من خالقها أن تكون شجرة تصل إلى كمالها اللائق بها. فاذا عملت تلك البذرة بمزاجها الفاسد في تلك الأجهزة، التي اعطيتها واستعملتها في جلب المواد المضرة تحت التراب فتبلى في ذلك المكان الضيق في زمان قليل. وإذا تصرفت فيها واستعملتها ممتثلة أمر ﴿فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى فستخرج من ذلك العالم الضيق، وتنقلب حقيقتها الجزئية وروحها المعنوية إلى حقيقة كبرى بما أنها تكون شجرة كبيرة مثمرة؛ كذلك الانسان قد اعطيت كيانه من القدرة أجهزةٌ هامة ومن القدر برنامج قيم. فاذا صرف الانسان تلك الأجهزة المعنوية في هذا العالم الأرضيّ الضيق تحت تراب الحياة الدنيا تابعاً أهوائه النفسية فستبلى في عمر قصير –كالبذرة الفاسدة- في مكان ضيق وفي وضع متأزم للذة جزئية ويرتحل من الدنيا متحملاً تلك المسؤولية العظمى.
لايوجد صوت