ثم بعد ذلك خرجت فرأيت جميع دور تلك المدينة منقسمة على هذا المنوال قسمين فسألت عن سبب ذلك.
فقيل لي: إن تلك الدور الخالية من السكان التي نزل أهلها أمامها يلعبون ويمرحون هي دور أئمة الكفر والضلال وماعداها دور أكابر المؤمنين ذوي الغيرة والنخوة. ثم رأيت في ناحية داراً مكتوب عليها اسم (سعيد) فأمعنت النظر أكثر فرأيت صورتي عليها فصرخت لما أخذني من الاعجاب والحيرة بقوة فأفقت من هذه الواقعة.
وأريد أن أفسر هذه الواقعة الخيالية ونرجو من الله أن يجعلها خيراً. فتلك المدينة هي الحياة الاجتماعية البشرية ومدينة المدنية الانسانية. وكل من تلك الأبنية هو انسان وسكانها هي جوارح الانسان من العين والاذن والقلب والسر والروح والعقل والنفس والهوى والقوة الشهوية والقوة الغضبية، حيث انه منح لكل من هذه الجوارح واللطائف وظائف عبادة معينة ولكل منها لذائذ وآلام متنوعة. والنفس والهوى والقوة والشهوية والقوة الغضبية بمثابة الحاجب والكلب. فجعل تلك اللطائف والجوارح تحت إمرة النفس والهوى وجر ذيل النسيان عليها ليس بترق بل هو سقوط وانحطاط وقس أنت سائر الجهات عليها.
النكتة الثالثة
ان الانسان حيوان ضعيف ومخلوق عاجز من جهة أفعاله وأعماله وسعيه المادي، دائرة تصرفه من هذه الناحية دائرة ضيقة بحيث لو مد يده إلى خطوطها لوصلت إليها. حتى أن الحيوانات الأهلية التي سلمت زمام قيادتها للانسان لتسرب به إليها العجز والضعف والكسالة فاذا قيس مثلا الغنم والبقر الأهلي بالغنم والبقر الوحشي ترى بينها فرقاً شاسعاً.