رائد الشباب | توجيه الشباب | 37
(1-70)

فأما إذا ربى بذرة استعداده بماء الاسلام وسلط عليها اضواء الايمان تحت تراب العبودية ممتثلاً الأوامر القرآنية ووجه تلك الأجهزة التي منحتها القدرة اياه نحو غايتها الحقيقية فستكون مكنة قيمة وثمرة منورة مباركة لشجرة هذا الكون، وبذرة حاوية لأجهزة حقيقية مستمرة وشجرة باقية تنتشر وتمتد اغصانها وفروعها في عالم الآخرة والجنة.

نعم ان الترقي الحقيقي إنماهو بتوجيه القلب والسر والروح والعقل والخيال وسائر القوى التي منحت للانسان إلى الحياة الباقية واشتغال كل منها بمايناسبها من العبودية والافوضع اللطائف والقلب والعقل تحت امرة النفس الامارة وجعلها خادمة لها في سبيل دقائق الحياة الدنيوية وتذوق سفاسف أذواقها فليس بترق –كما يظنه أهل الدنيا- بل هو سقوط.

وقد رأيت هذه الحقيقة في واقعة خيالية هكذا: رأيت كأني ألج في مدينة عظيمة فيها دور ضخمة. لدى أمام بعض منها أفراح ومسارح ورقص تجلب الأنظار وتلهي كل من رآها. ثم أمعنت النظر فاذا صاحب دار من تلك الدور قد نزل امام القصر يلعب مع الكلب ويلهو وقد اختلط الجنسان الفتيان والفتيات بعضهما بالبعض. وكانت الفتيات تنظم ألعاب الصبيان. وحاجب الدار يشرف على هذه الألعاب والأفراح والمسارح بطور الممثل. فأيقنت ان تلك الدار خالية من السكان معطلة من جميع الوظائف وان ذويها قد انحلت أخلاقهم وفسدت سجاياهم، لذلك قد تمثلوا على الباب هكذا..

ثم بعد ذلك مضيت في سبيلي فرأيت بناء آخر ضخماً أمام كلب قد بسط ذراعيه بالوصيد. وحاجبه قد تحلي بالوقار والجد ليس هناك أي شيء جاذب أو لهو أو لعب. فصرت أبحث عن السبب فدخلت البناء فرأيت الفرح والابتهاج قد عم ارجائه قد عم ارجائه وكل من ذوي الشرفات مشغول بوظيفته التي خصصت له فذووا الشرفة الأولى يدبرون شؤون البناء، وذوو الشرفة الثانية من الأولاد والبنات يدروسون العلوم، وذوو الشرفة الثالثة من النساء مشغولون بلطائف الصنعة والنقوش المستحسنة. ورأيت صاحب البناء الذي هو قاعد في الشرفة العليا يتصل هاتفياً بالملك حتى يؤمن راحة الرعية ويشتغل بوظائفه التي تؤدي إلى كمالاته وصعوده في مدارج الترقي والنبوغ...
لايوجد صوت