فكذلك هذه الأجهزة المعنوية واللطائف الانسانية أقوى وأتم من أجهزة الحيوان ولطائفه بمائة درجة. مثلا أين عين الانسان التي تدرك جميع مراتب الحسن، وقوته الذائقة التي تميز بين مختلف أذواق المطعومات بلذتها الخاصة، وعقله الذي ينفذ إلى قرارة الحقائق وقلبه المشتاق إلى جميع أنواع الكمالات – من أجهزة الحيوان البسيطة فبينما بون شاسع. الا أن الحيوان بما انه متجه إلى عمل معين تزداد قوة جهازه الذي يعمل به فيه وينمو استعداداه فيه ولكنه نمو محدود.
والسر في وفور الأجهزة التي منحت للانسان هو انه ازدادت حواس الانسان ولطائفه قوة ونماء بما يملكه من العقل والفكر وتعددت أحاسيسه ومشاعره بكثرة احتياجاته وصارت فطرته الجامعة محوراً لميوله وآرائه المتطلعة إلى مقاصد جمة. وازدادت آلاته وأجهزته قوة ونماء بسائق وظائفه الفطرية الكثيرة، ومنح له استعداد جامع لبذور الكمالات بسبب فطرته التي فطر عليها من النمط البديع المهيأ لشتى أنواع العبادات. لذلك لايمكن أن تمنح له هذه الأجهزة الوفيرة وهذا الرأس مال الضخم لتحصيل هذه الحياة الدنيا المؤقتة التي ليس لها أي شأن في ميزان الاعتبار. بل الغاية القصوى لهذا الانسان هو أن يفي بوظائفه المتطلعة إلى مقاصد لانهاية لها. ويعلن عجزه وفقره وتفريطه امام الله تعالى بعبوديته ويرى بنظره الواسع تسبيحات الموجودات فيشهد على ذلك ويطلع على ما تمده الرحمة الالهية من انعامه وآلائه فيشكر عليها، ويعاين معجزات القدرة الربانية في هذه المصنوعات فيتفكر فيها وينظر إليها بنظر العبرة.
فيا عابد الدنيا وعاشق الحياة الفانية الغافل عن سر أحسن تقويم استمع إلى هذه الواقعة الخيالية التي تتمثل فيها حقيقة حياة الدنيا تلك الواقعة الخيالية التي رآها السعيد الأول فحولته إلى السعيد الثاني.