رائد الشباب | توجيه الشباب | 45
(1-70)

والناحية الثانية هي مقام الحضور والخطاب والانتقال من الأثر إلى المؤثر فيرى أن الصانع ذا الجلال يعرف نفسه بمعجزات صنعته فيقابله بالايمان والمعرفة. ثم يرى ان رباً رحيماً يريد أن يحبب نفسه بثمار رحمته فيحبب نفسه إليه تعالى بتخصيص عبادته وحصر حبه له. ثم يرى ان منعماً كريماً يربيه بلذائذ نعمه المادية والمعنوية فيقابله بالشكر والحمد بفعله وحاله وقاله حتى لو أمكن بكل حواسه وأجهزته. ثم يرى ان جيلا جميلا يظهر في مرآة هذه الموجودات كبريائه وكماله وجلاله وجماله ويجلب إليها الأنظار فيقابله بقول: (الله أكبر سبحان الله) ويسجد متفانياً وبكل حيرة. ومحبة ثم يرى ان غنياً مطلقاً يظهر في سخاء مطلق قروته وكنـزه التي لاتفنى فيطلب منه ويسأله بكمال الافتقار في تعظيم وثناء. ثم يرى ان ذلك الفاطر ذا الجلال جعل الأرض معرضاً يشهر فيه جميع مصنوعاته القيمة الأثرية فيقابله مقدراً لها قدرها بقول ماشاء الله ومستحسناً لها بقول بَارك الله ومتحيراً امامها بقوله سبْحَان الله ومستملحاً لها بقول اللهُ أكْبَرُ. ثم يرى أن واحد احداً يختم على الموجودات كلها خاتم التوحيد بسكته التي لاتقلد وبخاتمه وطرته الخاصة به وينقش عليها آيات التوحيد وينصب راية التوحيد في آفاق العالم ويعلن ربوبيته، فيقابله بالتصديق والايمان والتوحيد والاذعان والشهادة والعبودية. ان الانسان يصير انساناً حقاً بمثل هذه العبادة والتفكر ويرى انه في أحسن تقويم ويصير بيمن الايمان لائقاً للامانة خليفة أميناً للأرض.

فيا أيها الانسان الغافل الذي خلقت في أحسن تقويم ثم انحدر بسوء اختياره إلى أسفل سافلين!

إستمع إليّ وانظر إلى اللوحتين المكتوبتين في المقام الثاني من المقالة السابعة عشر حتى ترى أنت أيضاً كيفما كنتُ أرى الدنيا مثلك حلوة خضرة بسبب سكران الشباب وفي الغفلة المطبقة. ولما افقت في صباح الشيخوخة من سكران الشباب ذاك رأيت وجه الدنيا الغير المتوجه إلى الآخرة الذي كنت أعده جميلاً – رأيته وجهاً قبيحاً، وحتى ترى مدى نهاية حسن وجمال وجه الدنيا المتوجه إلى الآخرة. واللوحة الأولى تصور حقيقة دنيا اهل الضلالة الذين أطبقت عليهم حجاب الغفلة، واللوحة الثانية تشير إلى حقيقة دنيا أهل الهداية والحضور. ولم ابدل شيئاً من تلك اللوحتين فتركتهما كما كتبتا من قبل وهما يشبهان الشعر ولكنهما ليستا بشعر...
لايوجد صوت