ثالثاً: انه تعالى جعل من بين ذرات الاجسام الحية ذرات لطيفة وضيئة وجعل لها مزايا عالية كذرات بذر النبات والشجر فكانها هي روح لسائر الذرات التي تتكون معها في تلك النباتات والشجر وعنصر اساسي للشجرة العظيمة. فتعالى هذه الطائفة من ذرات شجرة كبيرة إلى هذه الدرجة، وعملها فيها في مختلف اطوارها وأحوالها ينبـىء عن انها تنال ما تناله من الدرجة والنور والنمو حسب تجلي الاسماء لحركات تلك الذرات حين أداء وظيفتها الفطرية.
وخلاصة القول: انه تعالى جعل لكل شيء مقاماً يليق به واستعداداً يسعى به للوصول إلى ذلك المقام وهذا القانون كما هو مطرد في الحيوان والنبات كذلك هو مطرد في الجماد ايضاً، حيث يتطور التراب فينقلب ألماساً او غيره من الاحجار الكريمة. ويتبين من هذه الحقيقة ناحية من قانون الربوبية العظمى.
وأنه تعالى يمنح الحيوان الذي يستخدمه في عمليه التناسل اجرته من اللذة والذوق كما يمنح سائر مايستخدمه في شيء الوظائف كالنحل والعندليب من العشق والحب والتطلع إلى الكمال ويلوح من خلال هذا ناحية من قانون كرمه وجوده العظيم.
وان حقيقة كل شيء ناظرة إلى اسم من اسمائه تعالى ومرتبطة به وهي كالمرأة له، وجمال وضعها مترتب على جمال ذلك الاسم ومقتضاه سواء علمت هذا ام لم تعلم. ويشف من تحت هذا طرف من قانون التحسين والجمال الأعظم.
وانه تعالى بمقتضى قانون كرمه اذا منح كمالاً أو مقاماً لشيء لايسترده منه بعدما تم اجله وانقضت مدته؛ بل يخلف ورائه ثمرته ونتيجته ويديم حياة مدته؛ ان كان ذا روح، فالكمالات والنتائج التي نالها الانسان لاتفنى كما يفنى جسم الانسان؛ حتى ان الله تعالى سيعطي الجنة للمؤمن الذي يحمد الله تعالى ويشكره على ما رزقه من الطيبات الفانية اي يعيد له تلك الطيبات في الآخرة في صورة الجنة جزاء شكره لها ويظهر من هذا جهة من قانون الرحمة السامية.