بمنتهى السهولة، وبإيماءة بسيطة مني اليه، بل عليك أن تغوص ايضاً في اعماق الأزمنة الغابرة، حتى تستطيع أن تقول: (لايوجد فعلاً... لم تحدث حادثة كهذه!)
ولما كان النافون والمنكرون لاينظرون الى الأمر بذاته، وانما يصدرون احكامهم حسب انفسهم، ووفق عقولهم ونظراتهم؛ لذا لايمكن ان يساند أحدهم الآخر، وان يكون ظهيراً له؛ ذلك لأن حُجُب الرؤية مختلفة لديهم والاسباب المانعة للمعرفة متنوعة عندهم. اذ يستطيع كل شخص ان يقول: انني لا أرى الشئ الفلاني.. وعندي انه غير موجود.. وباعتقادي انه لا يوجد.. ولكنه لايمكنه ان يقول: إنه فعلاً لايوجد. واذا قال بهذا النفي ـ وبخاصة في المسائل الايمانية التي تشمل الكون كله ـ فان كلامه يكون إفكاً عظيماً وكذباً كبيراً بكبر الدنيا، ولن يكون صدقاً قط ولايمكن ان يُستصوب أو يقوّم ابداً.
نخلص مما تقدم: ان النتيجة في الاثبات واحدة، وان فيه تسانداً، أما في النفي فالنتيجة ليست واحدة بل متعددة، إذ القيود: عندي.. في نظري.. وباعتقادي.. وأمثالها من الاسباب التي تحجب الرؤية الصحيحة تتعدد وتختلف باختلاف الاشخاص؛ لذا تأتي النتائج متعددة ايضاً، ومتفرقة، فلا يحصل التساند مطلقاً.
وهكذا، إنطلاقاً من هذه الحقيقة:
فلا قيمة او أهمية للكثرة الظاهرة للكفار والمنكرين الذين يصدون عن الايمان..
ولكن، في الوقت الذي لا ينبغي ان يتأثر يقين المؤمن ولا يشوب ايمانه بأي نوع من أنواع الشك والتردد، نرى ان ما يثيره فلاسفة اوروبا من شبهات وجحود في هذا العصر قد جلب الحيرة الى بعض المنكوبين المفتونين بهم، فأزال يقينهم وأباد سعادتهم الأبدية وأوقعهم في شقاء وتعاسة؛ ذلك لأن انكارهم هذا حوّل معنى (الموت) الذي يصيب يومياً ثلاثين ألفاً من الناس من معناه الحقيقي الذي هو: إنهاء وظيفة الانسان على الارض، الى صورة الاعدام الابدي والفناء