القضاء والقدر الازلي، وفي صحيفة المقدّرات الحياتية. فالأجل المحتوم لكل ذي حياة مقدر ومعين لا يتقدم ساعة ولا يتأخر، ورزق كل ذي روح قد عين وخصص، ومكتوب كل ذلك في لوح القضاء والقدر.
وهناك ما لا يحد من الادلة على هذا الحكم، منها:
ان موت شجرة ضخمة وتوريثها بذيراتها التي هي بمثابة نوع من روحها،للقيام بمهامها التي كانت تؤديها، لا يتم الاّ بقانون حكيم لعليم حفيظ. وان ما يتدفق من الاثداء من لبن خالص رزقاً للصغير، وخروجه من بين فرثٍ ودمٍ دون اختلاط او امتزاج، صافياً طاهراً، وسيلانه الى فمه، ليردّ رداً قوياً احتمال وقوعه بالمصادفة، ويبين تحققه في غاية القطعية انه من جراء دستور ذي شفقة موضوعة من لدن رزاق عليم رحيم. وقس سائر ذوي الحياة وذوي الارواح على هذين النموذجين الجزئيين.
ففي حقيقة الامر ان الاجل معين مقدر، والرزق كذلك، وقد ادرجا في سجل المقدّرات وجعل كل منهما معيناً. ولكنهما يبدوان ـ في الظاهر ـ متواريين خلف الغيب، ومتعلقين في خيوط الابهام غير المرئية، ويظهران كأنهما غير معينين فعلاً، وكأنهما مشدودان الى المصادقة...كل ذلك لاجل حكمة دقيقة وفي غاية الأهمية.!
اذ لو كان الاجل معيناً كغروب الشمس لكان الانسان يقضي شطر عمره في غفلة مطبقة، ويضيّعه، عازفاً عن السعي للآخرة، ثم يتورط في الشطر الآخر بخضم المخاوف المذهلة، ويكون كمن يخطو خطوة كل يوم نحو اعواد المشانق، ولكانت المصيبة المندرجة في الاجل تتضاعف بالمئات!.ولاجل هذا السر الدقيق أبقيت المصائب - التي تعاود الانسان عادةً - تحت ستار الغيب. بل حتى ان أجل الدنيا الذي هو القيامة قد أخفاه سبحانه - رحمةً منه ورأفةً - خلف حجاب الغيب للسبب نفسه.