فلله الحمد والمنة الذي احيا مدرسة (اسبارطة) عوضاً عن مدرسة (وان) المتوفاة والمتحولة الى اطلال، واحيا اولئك الاحبة معنىً باكثر وافضل منهم من الطلاب النجباء والاحبة الكرام. وعلمني كذلك ان الدنيا ليست خاوية مقفرة، وانها ليست مدينة خربة مدمرة، كما كنت أتصورها خطأ، بل ان المالك الحقيقي – كما تقتضي حكمته – يبدل اللوحات المؤقتة والمصنوعة من قبل الانسان بلوحات اخرى ويجدد رسائله، فكما تحمل ثمار جديدة كلما قطعت الثمار فكذلك الزوال والفراق في البشرية انما هو تجددّ وتجديد، فلا يبعث حزناً أليماً لانعدام الاحباب نهائياً، بل يبعث من زاوية الإيمان حزناً لذيذاً نابعاً من فراق لأجل لقاء في دار اخرى بهيجة.
وكذا نوّر تلك الحالة المدهشة التي كنت فيها، ونوّر ما يتراءى لي من الوجه المظلم لموجودات الكون كلها. فأردت ابداء الحمد والشكر على تلك الحالة المنوّرة في وقته فأتتني الفقرة التالية باللغة العربية مصورةً لتلك الحقيقة كاملة:
[ الحمد لله على نور الإيمان المصور ما يُتوهم اجانب اعداءً امواتاً موحشين أيتاماً باكين، أودّاء اخواناً احياءً مؤنسين مرخصين مسرورين ذاكرين مسبحين ].
وهي تعني.: انني اقدم الى الخالق ذي الجلال حمداً لانهاية له، على ما وهبني من نور الإيمان الذي هو منبع جميع هذه النعم الإلهية غير المحدودة، بما حوّل تلك اللوحة المرعبة التي اُظهرت لنفسي الغافلة فأوهمتها الغفلة – المتولدة من شدة التأثر على تلك الحالة المؤلمة – أن قسماً من موجودات الكون أعداء او جانب(1) وقسماً آخر جنائز مدهشة مفزعة، وقسماً آخر أيتام باكون حيث لامعين لهم ولامولى، حوّل ذلك النور كل شيء حتى شاهدت بعين اليقين ان الذين كانوا يبدون اجانب وأعداء انما هم اخوة واصدقاء.. وان ما كان يَظهر كالجنائز المرعبة؛ قسمٌ منهم أحياء مؤنسون، أو هم ممن أنهوا
---------------------
(1) مثل الزلازل والعواصف والطوفان والطاعون والحريق. – المؤلف.