كنت اكرر واقول في العشرين من عمري: سأنزوي في اخريات حياتي في مغارة، مبتعداً عن الحياة الاجتماعية كما كان ينزوي الزهاد في الجبال، وكذلك قررت عندما كنت اسيراً في شمال روسيا في الحرب العالمية الاولى أن سأقضي بقية ايام عمري في الكهوف والمغارات منسلاً عن الحياة الاجتماعية والسياسية. كفاني تدخلاً.. فتجلت العناية الربانية وعدالة القدر – رحمة بشيخوختي – وحولتا تلك المغارات التي كنت أتصورها الى ما هو خير وافضل منها، وبما يفوق كثيراً رغبتي وقراري.. حوّلتا الى سجون انزواء وانفراء، ومنحتا لي (مدارس يوسفية) بدلاً عن تلك المغارات في الجبال للمنزوين واهل الرياضة الروحية، لئلا تضيع اوقاتنا سدىً، حيث ان في تلك المغارات فوائد اخروية زيادة عما فيها من اداء مهمة الجهاد لاجل القرآن والحقائق الإيمانية. حتى عزمت – بعد الافراج عن اخواني وتبرئتهم – أن أظهر شيئا يدينني ويبقيني في زنزانة السجن مع (خسرو وفيضي) وامثالهم من المجاهدين المخلصين المتفرغين للخدمة لأتخذها حجة تغنيني عن الاختلاط بالناس ولئلا أضيع شيئاً من وقتي فيما لايعني من الامور وبالتصنع وحب الظهور، حيث البقاء في ردهات السجن افضل، الاّ ان القدر الإلهي وما قسم الله لنا من رزق قد ساقني الى محل انزواء آخر. فحسب مضمون (الخير فيما اختاره الله) وبسر الآية الكريمة ﴿وعَسى أنْ تَكرهوا شيئاً وهو خيرٌ لكُم﴾(القرة:216) ورحمة بشيخوختي، ولاجل ان نسعى بشوق اكثر في الخدمة الإيمانية، فقد وُهبتْ لنا مهمة، وأوكلت الينا وظيفة، هي خارج إرادتنا وطوقنا في هذه المدرسة اليوسفية الثالثة.
نعم ان في تحويل العناية الإلهية مغارات عهد الشباب الذي لم يكن له اعداء شرسون، لي ردهات السجن المنفرد، ثلاث حِكم وثلاث فوائد مهمة لخدمة النور:
الحكمة والفائدة الاولى