النقطة الثانية:
ان الموجودات تُخلق وتظهر الى الوجود بوجهين:
الاول: الخلق من العدم، وهو ما يعبَّر عنه بـ(الابداع والاختراع).
الثاني: انشاؤها من عناصر موجودة، وتركيبها ومنح الوجود لها من أشياء حاضرة، أي بـ(التركيب والانشاء).
فاذا نظرنا الى الموجودات من زاوية سر الاحدية وتجلي الفردية، نرى ان خلقها وايجادَها يكون سهلاً وهيّناً الى حد الوجوب والبداهة، بينما ان لم يُفوَّض امرُ الخلق والايجاد الى الفردية والوحدانية، فستتعقد الامور وتتشابك، وتظهر امورٌ غير معقولة وغير منطقية الى حد المحال والامتناع. وحيث اننا نرى الموجودات قاطبة تظهر الى الوجود من دون صعوبة وتكلف، ومن غير عناء، وعلى اتم صورة وكيفية، يثبت لنا بداهة اذاً تجلي الفردية، ويتبين لنا: أن كل شئ في الوجود انما هو من ابداع الاحد الفرد ذي الجلال والاكرام.
نعم، ان اسند أمر الخلق الى (الفرد الواحد الاحد) يخلق كل شئ من العدم في لمح البصر وبكل سهولة ويسر، وبقدرته المطلقة العظيمة بآثارها المشهودة. ويقدّر لكل شئ بعلمه المحيط المطلق ما يشبه قوالب معنوية وتصاميم غيبية.. فكل شئ عنده بمقدار.
فكما ان الجنود المطيعين في الجيش المنظم يساقون لأخذ مواضعهم بامر من القائد وحسب خطته الموضوعة في علمه، كذلك الذرات المطيعة للاوامر الربانية فانها تساق بالقدرة الربانية - بكل سهولة ويسر - لتأخذ مواقعها وتحافظ عليها حسب تصميمٍ موجود، وصورة موجودة، في مرآة العلم الإلهي الازلي. حتى لو لزم جمع الذرات من الانحاء المختلفة، فان جميع الذرات المرتبطة بقانون العلم الإلهي المحيط، والموثوقة الصلة بدساتير القدرة الإلهية، تصبح بمثابة الجنود المنقادين في الجيش المنظم، فتأتي مسرعة بذلك القانون وبسَوق القدرة لأخذ مواقعها في ذلك القالب العلمي والمقدار القدري المحيطين بوجود ذلك الشئ.