لقد أثبتنا في مواضع متعددة من الرسائل وببراهين دامغة: ان الاستقلال والانفراد من أخص خصائص الحاكمية، حتى ان هذا الانسان الذي هو عاجز عجزاً شديداً، ولا يملك من الحاكمية سوى ظل باهت، نراه يردّ بكل قوة اي فضول كان من الآخرين، ويرفض بكل شدة اي تدخل كان منهم في شؤونه، صوناً منه لاستقلاله وانفراده في الأمر. بل ذُكِر في التاريخ ان كثيراً من السلاطين قد سفكوا دماءً زكية لأبنائهم الأبرياء واخوانهم الطيبين حينما شعروا بتدخل منهم في شؤونهم.
اذن فالاستقلال والانفراد ورفض مداخلة الآخرين هو من أخصّ خصائص الحاكمية الحقة، لا فكاك لها عنه. بل هو لازمها ومقتضاها الدائم.
فالحاكمية الإلهية التي هي في ربوبية مطلقة تردّ بكل شدة الشرك والاشتراك مهما كان نوعه، ولا تقبل تدخلاً ما من سواها قط، ومن هنا نرى القرآن الكريم يفيض في بيان التوحيد الخالص ويردّ الشرك والمشاركة باسلوب شديد وبتهديد مروّع..
فكما اقتضت الحاكمية الإلهية - التي هي في الربوبية المطلقة - التوحيد والوحدانية بقطعية تامة، واظهرت مقتضى شديداً وداعياً قوياً لها، كذلك النظام المتقن والانسجام البديع المشاهدان في الكون - ابتداء من النجوم والنباتات والحيوانات والأرض والمعادن وانتهاء بالجزئيات والافراد والذرات - كل منهما شاهدُ عدلٍ، وبرهان باهر على تلك الوحدانية والفردية، فلا يسمح قط لريبة أو لشبهة، إذ لو كان هناك تدخل مما سوى الواحد الأحد، لفسد هذا النظام البديع الرصين، واختل هذا التوزان المحكم المشاهَد في جميع اجزاء الكون، فصدق الله العظيم الذي قال:
﴿لو كانَ فيهما آلِهةٌ إلاّ الله لَفَسَدتا ﴾(الانبياء: 22)
نعم، لو كان هناك اي تدخل مهما كان لظهرت آثارُه باديةً، الاّ أن الدعوة الصريحة في الاية الكريمة: ﴿فارجِعِ البَصَرَ هَلْ تَرى مِنْ