اللمعات | اللمعة الثلاثون | 615
(574-671)

نسوق المثال الآتي:
حالما توهب الحياة للكائن يظهر فعل الاعاشة والإرزاق فيه مباشرة. وضمن افعال الاعاشة والإحياء هذه، يشاهَد مباشرةً فعلُ تنظيمِ جسد ذلك الكائن وتنسيق اعضائه، وتجهيزه بما يحتاج ويلزم. وحينما تظهر افعالُ الاعاشة والإحياء والتنظيم والتجهيز يفعل التصويرُ والتربية والتدبير فعلَه في الوقت نفسه.. وهكذا.
فتداخل امثال هذه الافعال المحيطة العامة بعضها بالبعض الآخر، واتحادها ببعضها، وامتزاجها كامتزاج الالوان السبعة في الطيف الشمسي، ثم احاطة كل فعل من تلك الافعال وشموله - مع وحدته من حيث الماهية - للموجودات كلها في وحدة واحدة، وكون كل فعلٍ منها فعلاً وحدانياً.. يدل دلالة واضحة على أن فاعلَه واحدٌ أحد فرد..
وكما أن استيلاء كل فعل - من تلك الافعال - وهيمنته على الكائنات قاطبة، واتحاده مع سائر الافعال في تعاون وثيق، يجعل الكون كلاً غير قابل للتجزئة.. كذلك فان كل مخلوق حي من حيث كونه بمثابة بذرة الكون وفهرسه ونموذجه يجعل الكون كلياً غير قابل للانقسام والتجزئة - من حيث الربوبية - بل يجعل انقسامه محالاً وخارجاً عن الامكان، أي أن الكون بهذا هو كلٌّ لا يتجزأ، فلا يكون اذاً ربُّ الجزء الاّ من كان رباً للكل. وهو كلي ايضاً بحيث يكون كل جزء منه بحكم فرد، فلا يكون رباً للفرد الواحد الاّ من كان زمام ذلك الكلي بيده.
الاشارة السادسة:
كما ان انفراد الله سبحانه وتعالى بالربوبية،وتوحيده بالالوهية هو اساس جميع الكمالات(1) ومنشأ المقاصد السامية، ومنبع الحِكَم

-----------------

(1) حتى ان التوحيد هو نفسه أوضح برهان، وأسطع دليل على الكمال والجمال الإلهي، لأنه: اذا عُرف ان صانع الكون واحد أحد، فسيُعرف جميع انواع الكمال والجمال المشاهدة في الوجود، بأنها: ظلال وتجليات وعلامات لانواع الكمال المقدس وانماط الجمال المنزّه لذلك الصانع الواحد الأحد لذلك الكمال المقدس والجمال المنزه، بينما اذا لم يُعرف الصانعُ الواحد، فستحال تلك الكمالات وانواع الجمال الى الاسباب التي لاشعور لها والى مخلوقات عاجزة، وعندها يحار العقل البشري امام خزائن الكمال والجمال السرمديين، لانه فقد مفتاح تلك الكنوز الخالدة. المولف.

لايوجد صوت