[نفس امارة ثانية]
"مسألة دقيقة كتبتْ تنبيهاً لأحد اخواننا الذي لم يرَ تقصيره، نرسلها لكم علّها تنفعكم كذلك"
رأيت - في وقت ما - لدى عدد من الأولياء العظام - ممن نجوا من أوضار نفوسهم الامارة بالسوء مجاهدات نفسية، وشكايات منها. فكنت أحار في الأمر كثيراً، ولكن بعد مدة طويلة رأيت ان هناك نفساً امارة معنوية - غير دسائس النفس الأمارة الحقيقية - هي أشد عصياناً من الأولى واكثر نفوراً من الطاعة، واكثر ادامة للاخلاق الذميمة، هي النفس الثانية، وهي مزيج من الهوس والمشاعر والطبائع، وهي موغلة في الاعصاب والعروق، وهي الحصن الأخير الذي تحتمي به النفس الأمارة، وهي التي تتولى القيام بوظيفة النفس الأمارة السيئة السابقة - التي تزكّت منها- فتجعل المجاهدة تستمر الى نهاية العمر.
وأدركت حينها ان اولئك الأفذاذ الميامين ما كانوا يشكون من النفس الأمارة الحقيقية، بل من نفس امارة مجازية. ثم شاهدت ان الامام الرباني احمد الفاروقي السرهندي ايضاً يخبر عن هذه النفس المجازية.
ولما كانت حواس هذه النفس الامارة الثانية عديمة الشعور، عمياء لا تبصر، فلا تفهم أقوال العقل ولا تدرك نصائح القلب، ولا تعير لها سمعاً كي تنصلح وتدرك تقصيراتها، لذا لا ترتدع عن السيئات الا بلطمات التأديب وصفعاتها وبالآلام، أو بالتضحية التامة بحيث يضحي المرء بمشاعره وحواسه كلها للهدف الذي يصبو اليه فيترك انانيته كلياً، بل كل ما يملكه لذلك الهدف، كما تركه طلاب النور الخواص.