ملحق أميرداغ -2 | المكتوب السابع والعشرون | 49
(1-86)

واستُمرئتْ ميولُ الكسل والدعة وهجرت مراعى السعي والعمل. ولقد ألبست - هذه المدنية - البشرية المضطربة لباس الفقر المدقع وكستها أثواب الكسل والتقاعس الرهيب.
واستناداً الى ما قامت به رسائل النور من ايضاح الدستور الذي يخاطب به القرآن الكريم في ندائه العلوي:
﴿وكلوا واشرَبوا ولا تُسرفوا...﴾(الاعراف:31)
وكذلك في قوله تعالى:
﴿وأن ليسَ للإنسان إلاّ ما سَعى...﴾(النجم:39)
فقد أشارت - تلك الرسائل -مستضيئة بنور الآيتين المذكورتين- الى ان سعادة حياة البشرية منوطة بالاقتصاد وعدم الاسراف، وعلى إثارة الهمم للسعي والعمل والكدّ.. وانه بهذين الشرطين يتم التآلف والوئام بين طبقتي البشرية: الخواص والعوام. لذا سأتحدث عن مسألتين لطيفتين، نكتتين قصيرتين وهما الآتيتان:
أولاهما:
كان البشر في عهد البداوة تعوزهم ثلاثة أو أربعة اشياء، وكان اثنان من كل عشرة اشخاص يعجزان عن تدارك تلك الاشياء الثلاثة أو الاربعة. بينما في الوقت الحاضر تحت سطوة المدنية الغربية المستبدة، المتميزة بإثارة سوء الاستعمال، والدفع الى الاسراف، وتهييج الشهوات، وادخال الحاجات والمطالب غير الضرورية في حكم المطالب والحاجات الضرورية؛ فقد اصبح الانسان العصري من حيث حب التقليد والإدمان مفتقراً الى عشرين حاجة بدلاً من اربع منها ضرورية. وقد لايستطيع إلاّ شخصان من كل عشرين شخص ان يلبّوا تلك الحاجات العشرين من مصدر حلال بشكل مباح. ويبقى الآخرون الثمانية عشر محتاجين وفقراء. فهذه المدنية الحاضرة اذاً تجعل الانسان فقيراً جداً ومعوزاً دائماً، ولقد ساقت البشرية - من جهة تلك الحاجة - الى مزيد من الكسب الحرام، والى ارتكاب انواع من الظلم والغبن، وشجعت طبقة العوام المساكين على الصراع والتخاصم المستمر مع الخواص، وذلك بهجرها القانون الاساس الذي سنّه القرآن الكريم القاضي بوجوب الزكاة وتحريم الربا والذي يُحقق بواسطتهما توقير العامة للخاصة، ويوفّر بهما شفقة الخاصة على العامة. فبهجرها ذلك القانون الاساس أرغمت البرجوازيين على ظلم الفقراء وهضم

لايوجد صوت