ملحق أميرداغ -2 | المكتوب السابع والعشرون | 51
(1-86)

بعد أن شجعته على وسائل السفاهة. وهكذا بددت الشوق لديه الى السعي والعمل، فأضاع الانسان عمره الثمين سدىً باتباعه هوى المدنية الحاضرة وبسيره وراء سفاهتها ولهوها.
زد على ذلك فقد ولّدت المدنية في ذلك الانسان المعوز العاطل أمراضاً وأسقاماً وعللاً، إذ اصبحت وسيلةً، الى انتشار مئات من الأوبئة والامراض في أرجاء المعمورة. بثتها في الاوساط بسوء الاستعمال والإسراف.
ففضلاً عن هذه العلل الثلاثة التي ولّدتها المدنية وهي الحاجة الماسة والميل الى السفاهة، وكثرة الامراض المذكّرة بالموت، فانه بتفشي الالحاد وتوغله فيها استيقظت البشرية من غفوتها، واذا بالمدنية تهددّها باستمرار، باظهار الموت تجاهها اعداماً ابدياًً، فجرّعتها نوعاً من عذاب جهنم في الدنيا.
فأزاء هذه المصيبة الرهيبة النازلة بساحة البشرية يداوي القرآن الكريم تلك الجروح الثلاثة البليغة بصحوة تلاميذه الذين يربون على اربعمائة مليون تلميذ وبما يضمه من قوانين مقدسة سماوية مثلما عالج علاجاً شافياً ادواء البشرية قبل الف وثلاثمائة سنة، فانه مستعد لتضميد تلك الجراحات الغائرة بقوانينه الاساسية السامية.. فضلاً عن انه الكفيل بتحقيق سعادة دنيوية واخروية للبشرية مالم تقم على رأسها قيامة مفاجئة.. زد على ذلك فانه يبين لها أن الموت ما هو إلاّ تسريح من الوظيفة وتذكرة ترخيص للدخول الى عالم النور بدلاً من كونه اعداماً ابدياً.. وان كفة حسنات الحضارة النابعة منه ستتغلب حتماً على سيئات المدنية الحاضرة، بل يجعل المدنية سائرة في ركاب تلك القوانين السماوية، تخدمها وتعينها بدلاً مما يحدث الى الآن من تنازل قسم من الدين لقسم من المدنية. ومن دفع احكام الدين رشوة في سبيل المدنية. كل ذلك يفهم من اشارات القرآن المعجز البيان ومن رموزاته، فترجو البشرية الصاحية الحاضرة ذلك العلاج القدسي من رحمته تعالى وتتضرع اليه وتطلبه.
الباقي هو الباقي
سعيد النورسي

18/1/1958
[اتخاذ البيت مدرسة نورية]
باسمه سبحانه

لايوجد صوت