اولاً: ان هذا المؤلَّف الذي طبع في مطبعة "ابو الضياء" سنة 1329هـ هو الدرس الذي القاه سعيد القديم بين عشائر الارتوش ولاسيما عشائر كودان ومامخوران، لأجل افهام الشورى الشرعية للعشائر فهماً صائباً وحملهم على قبولها، وذلك فى السنة الثالثة من عهد الحرية. ولكن لم احصل على هذا المؤلّف مع الاسف رغم بحثي عنه منذ ثلاثين سنة، الاّ ان احدهم حصل على نسخة منه فأرسلها اليّ.
طالعت الكتاب بامعان وبعقل سعيد القديم وبسانحات سعيد الجديد، فادركت ان سعيداً القديم شعر بحسّ عجيب مسبق - قبل الوقوع - بالوقائع المادية والمعنوية التي تحدث الآن، فقد شعر بها قبل حوالي اربعين سنة. اذ انه شاهد ما وراء ستار العشائر الكردية، الخونة الذين جعلوا هذا الزمان قناعاً لهم وهم الملحدون الجاهلون الحقيقيون والرجعيون الذين يحاولون تحت ستار الوطنية ارجاع هذه الامة الى عاداتها السابقة قبل عهد الاسلام. فتكلم سعيد القديم معهم بشدة وحاورهم بعنف.
ثانياً: قرأت الصفحات التى يبدو فيها ان بين المستمعين لدرسي ذاك، ولي عظيم - دون علمي به - فقد اعترض اعتراضاً شديداً في ذلك المقام اذ قال:
- انت تغالي وتفرط، اذ تُظهر الخيال عينَ الحقيقة وتُهيننا بظنك اننا جهلاء، فنحن في عصر آخر الزمان والفساد يستشري وسينقلب من سئ الى أسوأ.
وكان الجواب في الكتاب:
لماذا تكون الدنيا ميدان تقدمٍ وترقٍ للجميع، وتكون لنا وحدنا ميدان تأخر وتدنٍ. فهل الأمر هكذا؟ فها أنذا آليتُ على نفسي الاّ أخاطبكم، فأدير اليكم ظهري وأتوجه بالخطاب الى القادمين في المستقبل: أيا من اختفى خلف عصر شاهق لما بعد ثلاثمائة سنة، يستمع الى كلمات النور بصمت وسكون. وتلمحنا بنظر خفي غيبي.. أيا من تتسمّون بـ "سعيد وحمزة، وعمر وعثمان وطاهر، ويوسف وأحمد وامثالهم" انني اتوجه بالخطاب اليكم: ارفعوا هاماتكم وقولوا: "لقد صدقت" وليكن هذا التصديق ديْناً في اعناقكم. إن معاصري هؤلاء وان كانوا لا يعيرون سمعاً لاقوالي، لندعهم وشأنهم، انني اتكلم معكم عبر امواج الاثير الممتدة من الوديان السحيقة للماضي - المسمّى بالتأريخ - الى ذرى مستقبلكم الرفيع، ما حيلتي لقد استعجلت وشاءت الاقدار ان آتي الى خضم الحياة في شتائها.. أما انتم فطوبى لكم ستأتون اليها في ربيع زاهر كالجنة، ان ما يزرع الآن ويستنبت من بذور النور ستتفتح ازاهير يانعة في ارضكم.. نحن