السلف الصالحين قد اعتزلوا الناس موقتاً، وآثروا الانزواء في المغارات لفترة من الزمن، واستغنوا عن زينة الحياة الدنيا الفانية وجردوا انفسهم عنها، كي يقوموا ببناء حياتهم الاخروية على الوجه الصحيح.
فما دام الكثيرون من السلف الصالحين تركوا الدنيا وزينتها بلوغاً الى كمال باق وخاص بشخصهم، فلابد ان الذي يعمل لأجل سعادة باقية، لكثير جداً من المنكوبين، ويحول بينهم وبين السقوط في هاوية الضلالة، ويسعى لتقوية ايمانهم، خدمةً للقرآن والايمان خدمة حقيقية، ويثبت تجاه هجمات الالحاد المغير من الخارج والظاهر في الداخل، اقول لابد أن الذي يقوم بهذا العمل العام الكلي - وليس عملا خاصاً لنفسه - تاركاً دنياه الآفلة، لايخالف السنة النبوية بل يعمل طبقا لحقيقة السنة النبوية.
ثم ان الكلام الصادق الصادرمن الصديق الاكبر رضى الله عنه: "ليكبر جسمي في جهنم حتى لا يبقى موضع لمؤمن" اتمنى ان اغنم ذرة واحدة من هذا الكلام الصادق.. ولأجله آثر هذا السعيد الضعيف العزوبة والاستغناء عن الناس طوال حياته كلها.
ثالثاً: لم نقل لطلاب النور: "تخلوا عن الزواج، دعوه للآخرين" ولا ينبغي ان يقال لهم هذا الكلام. ولكن الطلاب انفسهم على مراتب وطبقات. فمنهم من يلزم عليه الا يربط نفسه بحاجات الدنيا، قدر المستطاع، في هذا الوقت، وفي فترة من عمره، بلوغاً الى التضحية العظمى والثبات الاعظم والاخلاص الاتم. واذا ما وجد الزوجة التي تعينه على خدمة القرآن والايمان، فبها ونعمت. اذ لا يضر هذا الزواج بخدمته وعمله للقرآن، ولله الحمد والمنة ففي صفوف طلاب النور كثيرون من أمثال هؤلاء. وزوجاتهم لا يقصرن عنهم في خدمة القرآن والايمان، بل قد يفقن أزواجهن ويسبقنهم لما فطرن عليه من الشفقة التي لا تطلب عوضاً، فيؤدين العمل بهذه البطولة الموهوبة لهن باخلاص تام.
هذا وان المتقدمين والسابقين من طلاب النور أغلبهم متزوجون، وقد أقاموا هذه السنة الشريفة على وجهها، ورسائل النور تخاطبهم قائلة:
"اجعلوا بيوتكم مدرسة نورية مصغرة، وموضع تلقي العلم والعرفان، كي يتربى الاولاد الذين هم ثمار تطبيق هذه السنة، على الايمان، فيكونون لكم شفعاء يوم القيامة، وأبناء بررة في هذه الدنيا، وعندها تتقرر هذه السنة الشريفة فيكم حقاً. وبخلافه لو تربي الأولاد على التربية الاوروبية وحدها - كما حدث