محاكمات | المقدمة الاولى | 12
(1-90)

نعم! ان الحق مستغن عن هذا، والحقيقة غنية عنه. فنورهما كافيان لإنارة القلوب. تسعنا الاحاديث الصحيحة المفسّرة الحقيقية للقرآن الكريم ونثق بها ونطمئن الى التواريخ الصحيحة الموزونة بميزان المنطق.

المقدمة الخامسة
اذا وقع المجاز من يد العلم الى يد الجهل ينقلب الى حقيقة، ويفتح الباب للخرافات(1) اذ المجازات والتشبيهات اذا ما اقتطفتهما يسار الجهل المظلم من يمين العلم المنور، او استمرتا وطال عمرهما، انقلبتا الى "حقيقة" مستفرغة من الطراوة والنداوة، فتصير سراباً خادعاً بعدما كانت شراباً زلالاً، وتصبح عجوزاً شمطاء بعدما كانت فاتنة حسناء.
نعم! ان شعلة الحقيقة انما تتلمع من المجاز بشفافيته. ولكن بتحوله الى حقيقة يصبح كثيفاً قاتماً يحجب الحقيقة الاصلية. فهذا التحول قانون فطري، فان اردت شاهداً عليه راجع اسرار تجدد اللغات وتغيراتها، والاشتراك والترادف في الامور. انصت اليها جيداً تسمع حتماً:
ان كثيراً من الكلمات او الحكايات او الخيالات او المعاني التي كان السلف يتذوقونها، لم توافق الرغبات الشابة لى الخلف، لانها غدت عجوزاً لا زينة لها. لذا اصبحت سبباً لدفعهم الى ميل التجدد والرغبة في الايجاد، والجرأة على التغيير. هذه القاعدة جارية في اللغات مثلما هي جارية في الخيالات والمعاني والحكايات. ولهذا لاينبغي الحكم على اي شئ بظاهره؛ اذ من شأن المحقق:
سبر غور الموضوع.. والتجرد من المؤثرات الزمانية.. والغوص في اعماق الماضي.. ووزن الامور بموازين المنطق.. ووجدان منبع كل شئ ومصدره.

-------------------------------------------------------------------

(1) فصلت هذه المسألة في اللمعة الرابعة عشرة من مجموعة اللمعات. المترجم.

لايوجد صوت