محاكمات | المقدمة الاولى | 14
(1-90)

نعم! ان الحكمة القديمة (الفلسفة القديمة) خيرها قليل، خرافاتها كثيرة، حتى نهى السلف -الى حد ما- عنها، حيث الاذهان كانت غير مستعدة، والافكار مقيدة بالتقليد، والجهل مستول على العوام. بينما الفلسفة الحاضرة فخيرها كثير -من جهة المادة- بالنسبة للقديمة، وكذبها وباطلها قليل. والافكار حرة في الوقت الحاضر، والمعرفة مسيطرة على الجميع. وفي الحقيقة، لا بد ان يكون لكل زمان حكمه.

المقدمة السادسة
فمثلاً: ان كل مايرد في التفسير لا يلزم ان يكون منه، اذ العلم يمدّ بعضه بعضاً.
فما ينبغي التحكم (في الرأي). اذ من المسلّمات: ان الماهر في مهنة الهندسة، ربما يكون عامياً وطفيلياً في مهنة اخرى كالطب، ودخيلاً فيها.
ومن القواعد الاصولية: انه لا يعدّ من الفقهاء مَن لم يكن فقيهاً، وان كان مجتهداً في أصول الفقه، لانه عامي بالنسبة اليهم.
وكذلك من الحقائق التاريخية: ان الشخص الواحد لايستطيع ان يتخصص في علوم كثيرة؛ الاّ من كان فذاً، فيستطيع ان يتخصص في اربعة او خمسة من العلوم، ويكون صاحب ملكة فيها.
فمن ادّعى الكل فاته الكل. لان لكل علم صورة حقيقية، وبالتخصص تتمثل صورته الحقيقية. اذ المتخصص في علم ان لم يجعل سائر معلوماته متممة وممدةً له، تمثلت من معلوماته الهزيلة صورة عجيبة.
لطيفة افتراضية للتوضيح: لو افترض مجئ مصوّر الى هذه الارض من عالم اخر لم يكن قد شاهد صورة كاملة للانسان ولا غير انسان من الاحياء. وربما رأى عضواً من اعضاء كل منها. فاذا أراد هذا المصور تصوير انسان، مما شاهد منه من يد ورجل وعين واذن ونصف الوجه وأنف وعمامة وامثالها. أو اراد

لايوجد صوت