ومما اطلعني على هذه الحقيقة ودلّني عليها هو حدوث خسوف القمر زمن صباي، اذ سألت والدتي عنه، فاجابت : لقد ابتلع الثعبان القمر. فقلت: فَلِمَ يشاهد القمر؟ قالت: ان ثعابين السماء شبه شفافة.
فانظر كيف تحول التشبيه الى حقيقة! فحجبت حقيقة الحال، اذ شبّه أهل الفلك تقاطع مائل القمر بمنطقة البروج في الرأس والذنب، بثعبانين او تنينين؛ حيث ان القمر او الشمس اذا اتى احدهما الى الراس والاخر الى الذنب وتوسطتهما الارض، يخسف القمر.
يا من لايسأم من كلامي المختلط هذا! انعم النظر ايضاً في هذه المقدمة وانظر اليها بدقة متناهية، فكثيرجداً من الخرافات، والخلافات، انما تنشأ من هذا الاصل. فينبغي الاسترشاد بالمنطق والبلاغة.
خاتمة:
يجب ان يكون للمعنى الحقيقي ختم خاص وعلامة واضحة متميزة. والمشخّص لتلك العلامة هو الحُسن المجرد الناشئ من موازنة مقاصد الشريعة.
أما جواز المجاز فيجب ان يكون على وفق شروط البلاغة وقواعدها، والاّ فرؤية المجاز حقيقة والحقيقة مجازاً، او اراءتهما هكذا، امدادٌ لسيطرة الجهل ليس الاّ.
ان ميل التفريط من شأنه حمل كل شئ على الظاهر.. حتى لينتهي الامر تدريجياً الى نشوء مذهب الظاهرية مع الاسف. وان حب الافراط من شأنه النظر الى كل شئ بنظر المجاز، حتى لينتهي الامر تدريجياً الى نشوء مذهب الباطنية الباطل. فكما ان الاول مضر فالثاني اكثر ضرراً منه بدرجات.
والذي يبين الحد الاوسط ويحد من الافراط والتفريط انما هو فلسفة الشريعة مع البلاغة، والحكمة مع المنطق.
نعم! أقول: الحكمة (الفلسفة) لانها خير كثير مع تضمنها الشر، الاّ انه شرٌ جزئي. ومن الاصول المسلمة انه يلزم اختيار أهون الشرين، اذ ترك ما فيه خير كثير لاجل شر جزئي فيه، يعني القيام بشر كثير.