محاكمات | المقدمة الاولى | 16
(1-90)

فمع وجود هذا الامر المعنوي لادائهما، اضعنا بسوء تصرفنا الشوق - الممد للميل، المنبعث من ذلك الاستعداد - واطفأنا جذوته بهذا الحرص الكاذب، وبهذه الرغبة في التفوق التي هي رأس الرياء! فلا شك ان جزاء العاصي جهنم. فعُذّبنا بجهنم الجهل. لاننا لم نتمثل اوامر الشريعة الفطرية التي هي قانون الخلقة.. وما ينجينا من هذا العذاب الاّ العمل على وفق قانون (تقسيم الاعمال). فقد دخل اسلافنا جنان العلوم بالعمل على وفق تقسيم الاعمال.
خاتمة:
كما لا يكفي مجرد دخول غير المسلم المسجدَ لاعتناقه الاسلام، كذلك دخول مسألة من مسائل الفلسفة او الجغرافية اوالتاريخ وامثالها، في كتب التفسير او الفقه، لا يجعل تلك المسألة من التفسير او الشريعة قطعاً.
ثم ان حكم مفسّر او فقيه - بشرط التخصص - يعدّ حجة في التفسير فقط او في الفقه فحسب. والاّ فهو ليس بحجة في الامور التي دخلت خلسة في كتب التفسير او الفقه. لانه يمكن ان يكون دخيلاً في تلك الامور. ولا عتاب على الناقل. ومن كان حجة في علم وناقلاً في علوم اخرى، فاتخاذ قوله فيها حجة او التمسك بقوله فيها من قبيل الدعوى ما هو الاّ إعراض عن القانون الالهي المستند الى تقسيم المحاسن وتوزيع المساعي. ثم انه مسلّم منطقياً: ان الحكم يقتضي تصور "الموضوع" و "المحمول"(1)_ بوجه ما فقط، اما سائر التفاصيل والشروح ليس من ذلك العلم، وانما من مسائل علم آخر.
ومن المقرر انه: لا يدل العام على الخاص بايٍ من الدلالات الثلاث الخاصة(2). فمثلاً: ان اعظم مجافاة للمنطق النظرُ الى تأويل الاية الكريمة ﴿بين الصدفين﴾(الكهف: 96) في تفسير البيضاوي، نظرة جازمة انه: بين جبال أرمينيا

----------------------------------------------------

(1) مثال: الانسان ناطق. فالانسان هنا موضوع والناطق محمول. فوصف الناطق قد حمل على الانسان. المترجم.
(2) وهي دلالة المطابقة والتضمن والالتزام، لأن اللفظ الدال بالوضع يدل على تمام ما وضع له بالمطابقة، وعلى جزئه بالتضمن ، وعلى ما يلزمه في الذهن بالالتزام؛ كالانسان، فانه يدل على تمام الحيوان الناطق بالمطابقة، وعلى جزئه بالتضمن، وعلى قابل العلم بالالتزام (التعريفات)- المترجم.

لايوجد صوت