محاكمات | المقدمة الاولى | 18
(1-90)

المقدمة السابعة

المبالغة تشوش الامور وتبلبلها، لان من سجايا البشر: مزج الخيال بالحقيقة، بميل الى الاستزادة في الكلام فيما إلتذ به، والرغبة في اطلاق الكلام جزافاً فيما يصف، والانجذاب الى المبالغة فيما يحكى. وبهذه السجية السيئة يكون الاحسان كالافساد، ومن حيث لا يعلم يتولد النقصان من حيث يزيد، وينجم الفساد من حيث يصلح، وينشأ الذم من حيث يمدح، ويتولد القبح من حيث يُحسن.. وذلك لإخلاله - من حيث لا يشعر - بالحسن الناشئ من الانسجام والموازنة (في المقاصد).
فكما ان الاستزادة من دواء شاف قلبٌ له الى داء، كذلك المبالغون في الترغيب والترهيب، المستغني عنهما الحق، كجعل الغيبة كالقتل او اظهار التبول وقوفاً بدرجة الزنا او التصدق بدرهم مكافئ لحجّة... وامثالها من الكلمات غير الموزونة التي يطلقها المبالغون انما يستخفون بالزنا والقتل ويهوّنون شأن الحج.
فبناءً على هذا: لا بد ان يكون الواعظ حكيماً، وذا دراية بالمحاكمات العقلية.
نعم! ان الوعاظ الذين لا يملكون موازين، ويطلقون كلامهم جزافاً، قد سببوا حجب كثير من حقائق الدين النيّرة. فمثلاً: الزيادة التي زيدت في معجزة انشقاق القمر الباهرة بالمبالغة في الكلام، وهي ان القمر قد نزل من السماء

لايوجد صوت