تصوير حيوان مما صادف نظره من ذيل حصان وعنق جمل ورأس أسد. فالمشاهدون يتهمون المصور في عمله لان عدم وجود تناسق وانسجام وامتزاج بين الاعضاء يحول دون وجود كائن حي كهذا وسيقولون: ان شروط الحياة لا تسمح لمثل هذه الاعاجيب.
فهذه القاعدة نفسها تجري في العلوم.. والعلاج هو: اتخاذ المرء احد العلوم اساساً وأصلاً، وجعل سائر معلوماته حوضاً تخزن فيه.
ومن العادات المستمرة: ان علوماً كثيرة تتزاحم في كتاب واحد، فبسبب تعانقها وتجاوبها بامداد بعضها بعضاً وانتاج بعضها بعضاً، يحصل تشابك الى حد كبير، بحيث لا تكون نسبة مسائل العلم الذي الّف الكتاب فيه الاّ زكاة محتواه. فالغفلة عن هذا السرّ تؤدي بالظاهري او الغوغائي المغالط الى ان يقول محتجاً به: "الشريعة هي هذه، وهذا هو التفسير!" اذا ما يرى مسألة ذكرت استطراداً في تفسير او كتاب فقه. وان كان صديقاً يقول: "مَن لم يقبل بهذا فليس بمسلم!!" وان كان عدواً يقول محتجاً به: "الشريعة أو التفسير خطأ" حاشَ لله.
ايها المفرطون والمفرّطون! ان التفسير والشريعة شئ وما الّف فيهما من كتب شئ اخر، فالكتاب يسع الكثير. ففي حانوت الكتاب اشياء تافهة غير الجواهر النادرة.
فان استطعت ان تفهم هذا، تنجو من التردد. فانتبه! فكما لا تشترى لوازم البيت المتنوعة من صناع واحد فقط، بل يجب مراجعة المختص في صنعة كل حاجة من الحاجات؛ كذلك لابد من توفيق الاعمال والحركات مع ذلك القانون الشامخ بالكمالات (قانون الفطرة). ألا يشاهد ان من انكسرت ساعته، اذا راجع خياطاً لخياطتها فلا يقابَل الاّ بالهزء والاستخفاف؟
اشارة: إن اساس هذه المقدمة هو: ان الامتثال والطاعة لقانون التكامل والرقي للصانع الجليل - الجاري في الكون على وفق تقسيم الاعمال - فرض وواجب، الاّ ان الطاعة لاشارته ورضاه سبحانه الكامنين في ذلك القانون لم يوف حقها. علماً ان يد عناية الحكمة الالهية - التي تقتضي قاعدة تقسيم الاعمال - قد أودعت في ماهية البشر استعدادات وميولاً، لاداء العلوم والصناعات التي هي في حكم فرض الكفاية لشريعة الخلقة (السنن الكونية) .