واذا قلت: ان لعلماء الصوفية تصويرات كثيرة حول "قاف".
أقول جواباً: ان عالم المثال المشهور هو ميدان جولانهم، فكما نتجرد من ملابسنا، فهم يتجردون من اجسادهم ويشاهدون ذلك المعرض الحاوي للعجائب والغرائب بالسير الروحاني، فـ"قاف" متمثل في ذلك العالم كما يعرّفونه. اذ كما تتمثل السموات والنجوم في مرآة صغيرة، يتمثل اصغر الاشياء من عالم الشهادة كالبذرة، شجرةً ضخمة في عالم المثال بتأثير من تجسم المعاني. ولايخلط احكام هذين العالمين قط. والمطلع على لبّ كلام محي الدين بن عربي(1) يصدّق هذا.
اما ما اشتهر بين العوام ومَن هم مثلهم ان "قاف" جبل محيط بالارض، متعدد، مابين كل اثنين منه مسافة خمسمائة سنة، ذروته تمس السماء. الى آخر خيالاتهم، فاقتبس من "المقدمة الثالثة" لتقويم هذه الخيالات، ثم ادخل في هذه الظلمات لعلك تجد زلال بلاغتها.
وان أردت ان تعرف عقيدتي في هذه المسألة، فاعلم انني اجزم بوجود "قاف" ولكن احيل كيفيته الى ثبوت حديث صحيح متواتر. فان ثبت الحديث في بيان كيفيته اؤمن به على ما أراد النبيy الذي هو صدق وصحيح وحق، لا على ماتخيله الناس، لانه قد يكون المفهوم غيرالمراد. واما ما فهمناه من هذه المسألة فنعطيكه:
اولاً: ان جبل "قاف" هو سلسلة هيمالايا التي هي أم اعظم جبال "ضامولار" التي هي سلسلة احاطت بمعظم الشرق، والتي كانت حاجزة بين البدويين والمدنيين سابقاً، ويقال: انه قد تشعب من عرق هذه السلسلة اكثر جبال الدنيا، ومن هذا الاصل نشأ الفكر المشهور باحاطة "قاف" للدنيا.
------------------------------------------------------------------
(1) محي الدين بن عربي: 560 - 638 هـ /1165 - 1240 م : هو محمد بن علي بن محمد ابن عربي، ابو بكر الحاتمي الطائي الأندلسي، المعروف بمحي الدين بن عربي، الملقب بالشيخ الأكبر: فيلسوف، من أئمة المتكلمين في كل علم. ولد في مرسيه (بالاندلس) وانتقل الى اشبيلية. وقام برحلة فزار الشام وبلاد الروم والعراق والحجاز. وانكر عليه اهل الديار المصرية (شطحات) صدرت عنه، فعمل بعضهم على إراقة دمه. وحبس، فسعى في خلاصه علي بن فتح البجائي فنجا. واستقر في دمشق، فتوفي فيها له نحو اربعمائة كتاب ورسالة، منها (الفتوحات المكية) في التصوف وعلم النفس و(فصوص الحكم). الاعلام 6/281 فوات الوفيات 2/241 ميزان الاعتدال 3/108 جامع كرامات الاولياء 1/118 شذرات الذهب 5/190.