حدث في عصر السعادة النبوية. فقد انجلى الصدق ببهائه الحقيقي وبكمال الاحتشام والهيبة واعتلى محمدy الصادق الامين اعلى عليي الصادقين، واوقع انقلاباً عظيماً في العالم فاظهر بُعدَ الصدق عن الكذب بُعد مابين المشرق والمغرب. فراج سوق الصدق ومتاعه في ذلك القرن.
اما الكذب الشبيه باشلاء الاموات والجثث. فقد ظهر قبحه وسماجته، وتردّى بمن تمسك به من امثال مسيلمة الكذاب الى اسفل سافلي الانسانية. فكسد سوقه ولم ترج بضاعته في ذلك القرن.
وهكذا فمن طبائع العرب الاعتزاز والتفاخر، والرغبة في الرائج من المتاع، لذا تسارعوا وتسابقوا للتجمل بالصدق والبعد عن الكذب، ونشروا راية العدل على العالمين. ومن هنا نشأت عدالة الصحابة عقلاً. اذا انعم الانسان النظر في السيرة والتاريخ والآثار، ودقق حالهy من الرابعة من عمره الى الاربعين، مع ان شأن الشبابية وتوقد الحرارة الغريزية تظهر ما يخفى، وتلقى الى الظاهر ما استتر في الطبيعة من الحيل، تراهy قد تدرج في سنيه وعاشر باستقامة كاملة، ومتانة بالغة، وعفة تامة، مع اطراد وانتظام، وما اومأ حالٌ من احواله الى حيله، لاسيما في مقابلة المعاندين الاذكياء.
وبينما تراهy كذلك اذ تنظر اليه وهو على راس اربعين سنة الذي من شأنه جعل الحالات مَلَكة والعادات طبيعة ثابتة لاتخالف، قد اوقع انقلاباً عظيماً في العالم.. فما هو الاّ من الله.
فمن لم يصدق انه من الحق وعلى الحقيقة المحضة، فقد اختفى اذاً في ذهنه سوفسطائي. الا ترى انهy كيف كان حاله في امثال واقعة الغار الذي انقطع بحسب العادة امل الخلاص، اذ يتصرف بكمال الوثوق وغاية الاطمئنان والجدية..
كل ذلك شاهد كاف على نبوته وجديته ودليل قاطع على تمسكه بالحق.
المسلك الثاني
ان صحيفة الماضي برهان على نبوته، بملاحظة اربع نكت:
احداها: ان من يأخذ اساسات علم وفن - او في القصص - ويعرف روحه والعقد الحياتية فيه ويحسن استعمالها في مواضعها ثم يبني مدّعاه عليها، فان ذلك يدل على مهارته وحذاقته في ذلك العلم.