محاكمات | عنصر العقيدة | 120
(91-136)

فكشف له الاسرار في زوايا الواقعات، ان نظره النقاد ادق من ان يُدلَّس عليه، ومسلكه الحق اغنى من ان يُدلِسَ على الناس].
نعم! ان الخيال لايستطيع ان يظهر نفسه حقيقة لنور نظرهy، ومسلكه الحق اغنى من ان يدلس او يغالط الناس.
المسلك الثالث
في بيان صحيفة الحال الحاضرة - اعني عصر السعادة النبوية - فها هنا ايضاً اربع نكت؛ ونقطة لا بد من انعام النظر فيها:
احداها: انك اذا تأملت في العالم ترى انه قد يتعسر ويستشكل رفع عادة ولو حقيرة، في قوم ولو قليلين، أو خصلة ولو ضعيفة في طائفة ولو ذليلين، على ملك ولو عظيماً، بهمة ولو شديدة، في زمان مديد بزحمة كثيرة، فكيف انت بمن لم يكن حاكماً، تشبث في زمان قليل بهمة جزئية بالنسبة الى المفعول، وقلع عادات ورفع اخلاقاً قد استقرت بتمام الرسوخ واستأنست بها نهاية استئناس واستمرت غاية استمرار، فأرسى فجأة بدلها عادات واخلاقاً تكملت دفعة في قلوب قوم في غاية الكثرة ولمألوفاتهم في نهاية التعصب، أفلا تراه خارقاً للعادات؟ فان لم تصدق بهذا فسأورد اسمك في قائمة السوفسطائيين.
ثانيتها: هي ان الدولة شخص معنوي، تشكُّلها تدريجي - كنمو الطفل - وغلبتها للدول العتيقة - التي صارت احكامها كالطبيعة الثابتة لملتها - متمهلة تدريجية ايضاً. أفلا يكون حينئذ من الخارق لعادة تشكل الدول، تشكيل محمد لحكومة عظيمة، في زمان قصير، وغلبتها للدول العظمى دفعة، مع ابقاء حاكميته لا على الظاهر فقط بل ظاهراً وباطناً ومادةً ومعنىً. فان لم تستطع رؤية هذه الامور الخارقة، فانت في طائفة العميان!
ثالثتها: هي انه يمكن بالقهر والجبر تحكم ظاهري، وتسلط سطحي، لكن الغلبة على الافكار والتأثير بالقاء حلاوته في الارواح والتسلط على الطبائع مع محافظة حاكميته على الوجدان دائماً لا يكون الاّ من خوارق العادات. وليس الاّ الخاصة الممتازة للنبوة. فان لم تعرف هذه الحقيقة فانت غريب عنها.

لايوجد صوت