ثانيتها: ايها الاخ ! ان كنت عارفاً بطبيعة البشر، لا ترى احداً يتجاسر بسهولة على مخالفةٍ وكذبٍ ولو حقيراً، في قوم ولو قليلين، في دعوىً ولو حقيرة، بحيثية ولو ضعيفة. فكيف بمن له حيثية في غاية العظمة، وله دعوى في غاية الجلالة، ويعيش بين قوم في غاية الكثرة، ويقابله عناد في غاية الشدة، ومع انه امّي لايقرأ ولايكتب، الاّ انه يبحث في امور لايستقل فيها العقل وحده، ويظهرها بكمال الجدية، ويعلنها على رؤوس الاشهاد.. افلا يدل هذا على صدقه؟
ثالثتها: ان كثيراً من العلوم المتعارفة عند المدنيين - بتعليم العادات والاحوال وتلقين الوقوعات والافعال - مجهولةٌ نظريةٌ عند البدويين. فلابد لمن يحاكم محاكمة عقلية، ويتحرى حال البدويين ان يفرض نفسه في تلك البادية.
فان شئت راجع المقدمة الثانية، فقد اوضحت هذه النكتة.
رابعتها: لو ناظر امىّ علماء علم، ثم بيّن رأيه في مسائله مصدقاً في مظان الاتفاق، ومصححاً في مطارح الاختلاف، يدلك ذلك على تفوقه، وان علمه وهبي لا كسبي.
فبناء على هذه النكتة نقول:
ان الرسول الكريمy مع اميته، كأنه بالروح الجوالة الطليقة طوى الزمان والمكان، فدخل في اعماق الماضي، وبيّن كالمشاهد لأحوال الانبياء عليهم السلام، وشرح اسرارهم على رؤوس العالم، في دعوى عظيمة تجلب اليها انظار الاذكياء. وقد قص قصصهم بلا مبالاة ولا تردد وفي غاية الثقة والاطمئنان، واخذ العقد الحياتية فيها واساساتها، مقدمة لمدّعاه مصدقاً فيما اتفقت عليه الكتب السالفة ومصححاً فيما اختلفت فيه. فثبت ان حاله هذه دليل على نبوته.
ان مجموع دلائل نبوة الانبياء عليهم السلام، دليل على صدقهy، وجميع معجزاتهم معجزة معنوية له.
ايها الاخ!
قد يحل القَسَم محل البرهان، لانه يتضمن البرهان لذا: [والذي قص عليه القصص للحصص، وسيّر روحه في اعماق الماضي وفي شواهق المستقبل،