ثانياً: لو كانت حريتهم - كما تظنونها - مضرة بكم، فلسنا معاشر المسلمين بخاسرين، لأن الارمن الذين هم بين ظهرانينا لا يبلغون ثلاثة ملايين، وغير المسلمين فينا ايضاً لايبلغون عشرة ملايين، بينما ملتنا الاسلامية واخواننا الحقيقيون الابديون يزيدون على ثلاثمائة مليون، الاّ انهم مقيّدون بثلاثة قيود رهيبة من قيود الاستبداد، فينسحقون تحت هذا الاستبداد المعنوي للاجانب.. وهكذا فحرية غير المسلمين - التي هي شعبة من حريتنا - انما هي مقدمة وأتاوة لحرية امتنا كافة.. وهي رافعةٌ ذلك الاستبداد المعنوي المرعب(1). وهي مفتاح لفك تلك القيود.. وهي رافعة للاستبداد المعنوي الرهيب الذي ألقاه الاجانب على كاهلنا. نعم حرية العثمانيين كشّافة لطالع آسيا العظيمة ومفتاح لحظ الاسلام واساس لسور الاتحاد الاسلامي.
س: ما تلك القيود الثلاثة التي قيّد الاستبداد المعنوى بها العالَم الاسلامي؟
ج: ان استبداد حكومة روسيا - مثلا - قيدٌ.. وتحكم الشعب الروسي قيدٌ آخر. وتغلّب عاداتهم الكفرية الجائرة على العادات الاسلامية قيد ثالث.. والحكومة الانكليزية، وان كانت تبدو غير مستبدة الاّ ان امتها متحكمة مسيطرة، وعاداتها مهيمنة، فدونكم "الهند" برهاناً على ذلك و "مصر" نصف برهان عليه.
أفلم يثبت اذاً ان امتنا الاسلامية مقيدة بثلاثة قيود، أو بقيد ونصف، وليس لنا ازاء ذلك الاّ قيد كاذب موهوم ضعيف وضعناه على أرجل غير المسلمين فينا. وقد تحملنا كثيراً من دلالهم بديلاً عن ذلك. فلقد ازدادوا نسلاً وثروة، أما نحن فقد تناقصنا نسلاً وثروة. وذلك بسبب انحصار الوظائف - التي هي ضربٌ من عمل الخادم - والعسكرية فينا.
ان الفكر الملّي(2) والدُ "الحرية" وما كان الأسرى الاّ الاكراد والأتراك.
وهكذا نفكّ ذلك القيد الكاذب ونحلّه عن أرجل ثلاثة ملايين أو عشرة ملايين لينفسح المجال ويتمهّد الطريق أمام حرية ثلاثمائة مليون مسلم مقيدين بثلاثة قيود.(1) ولاريب أن مَن أعطى ثلاثة عاجلاً وربح ثلاثمائة آجلاً ليس بخاسر!..
-------------------------------------------------
(1) كان ينبغي ان يتحدث بهذا الكلام بعد(اربع واربعين) سنة الاّ أنه ذكره في ذلك الوقت. المؤلف.
(2) يعرّفه الاستاذ المؤلف في ص415 بأن (مليتنا وجود مستقل بذاته، روحها الاسلام وعقلها القرآن والإيمان). المترجم.
(1) وقد بدأت الآن بالتحلل والانفتاح والحمد لله . المؤلف.