سنوحات | افادة مرام | 30
(1-39)

قالوا: التحزب ضرورة من ضروريات المشروطية.
قلت: ان خطوط الافكار عندنا بدلاً من ان تتقارب للتلاقي تنحرف مبتعدة الواحدة عن الاخرى كلما امتدت . لذا لانجد نقطة التلاقي، لا في الوطن، ولا في الكرة الارضية. فالافكار اشبه ما تكون بالوجود والعدم لا يجتمعان، حيث ان وجود احدهما يقتضي عدم الآخر.
ان العناد يلزم احياناً المغالين في التعصب الضلال والباطل، حتى اذا ساعد الشيطان احدهم قال له: انه ملك ويترحم عليه ، بينما اذا رأى ملَكاً في صف من يخالفه في الرأي، قال انه شيطان قد بدل ملابسه، فيبدأ بمعاداته ويلعنه. ويرى الامارة الواهية برهاناً بظنه الحسن، بينما يرى البرهان امارة واهية بسوء الظن، كمن ينظر في المنظار احد طرفيه الذي يقرّب والاخر يبعّد الشئ. وهذا ظلم فاضح يبيّن الحكمة في الآية الكريمة ﴿ان الانسان لظلوم كفار﴾(ابراهيم:34) وذلك لان قواه وميوله لم تتحدد فطرة بخلاف الحيوان، فميله نحو الظلم لايحد ولا سيما اذا انضمت الى ذلك الميل الاشكال الخبيثة للانانية كالاعجاب بالنفس وتحرى المصلحة الشخصية والكبر والعناد والغرور، تتولد جرائم بشعة لم تجد البشرية لها اسماً، ولا جزاء لها الاّ نار جهنم مثلما هي دليل على ضرورة وجودها.
فمثلاً: اذا استاء من صفة جانية لشخص، فانه يشمل ظلمه الى جميع صفاته البريئة ايضاً بل الى احبته بل الى من في مسلكه ، فيكون متمرداً امام الآية الكريمة ﴿ولا تزر وازرة وزر اخرى﴾(الانعام:164)
ومثلاً: قد قال احد الحريصين بدافع الانتقام: سيُغلب الاسلام، وسيتمزق قلبه. فلأجل ان يظهر صدق كلامه المشؤوم النابع من روح سقيمة وفكر كاذب، يتمنى ان يهان المسلمون ويصفق له ويتلذذ من ضربات العدو. فهذا التصفيق والترحيب واللذة جعلت الاسلام في موضع مجروح.
حيث العدو الذي غرز خنجره في قلب الاسلام لا يكتفي بسكوتنا عليه بل يقول: رحّب بي، تلذذ من اعمالي ، وكنّ لي حباً...
فدونكم ذنب عظيم وظلم شنيع لايجازيهما الاّ ميزان الحشر الاعظم.
قيل:
كنا نعلم اننا نُغلب، فقد دفعونا الى المصيبة عن علم.
------------------------------------------------------------
(4) فنزيليوس: (1864 - 1936) من رجال اليونان البارزين في السياسة، كان محامياً ثم قائد الثوار في جزيرة كريت أسقط في سنة 1910 رئيس الوزراء قسطنطين وحلّ محله. اصبح سبباً لكثير من الاضطرابات والقلاقل في البلاد هرب سنة 1935 الى باريس، وتوفي بعد سنة. (المترجم)

لايوجد صوت