الخطبة الشامية | الكلمة الاولى | 11
(1-47)

الخير والحسن والجمال والاتقان والكمال هو السائد المطلق في نظام الكون وهو المقصود لذاته، أي هو المقاصد الحقيقية للصانع الجليل. بدليل ان كل علمٍ من العلوم المتعلّقة بالكون يطلعنا بقواعده الكلية على ان في كل نوع وفي كل طائفة انتظاماً وابداعاً بحيث لايمكن للعقل أن يتصور أبدع واكملَ منه.
فمثلاً: علم التشريح الذي يخص الطب، علم المنظومة الشمسية الذي يخص الفلك وبقية العلوم التي تخص النباتات والحيوانات، كل منها تفيدنا بقواعدها الكلية وبحوثها المتعددة النظام المتقن للصانع الجليل في ذلك النوع وقدرته المبدعة وحكمته التامة فتبيّن جميعها حقيقة الآية الكريمة ﴿الذي احسَن كلَّ شئٍ خَلقَه﴾(السجدة:7).
كما ان الاستقراء التام والتجارب الشاملة يثبت أن:
الشر والقبح والباطل والسيئات جزئي وتَبَعي وثانوي في خلقة الكون.
فالقبح مثلاً في الكون والمخلوقات ليس هدفاً لذاته وانما هو وحدة قياسية، لتنقلب حقيقةٌ واحدة للجمال الى حقائق كثيرة. والشر كذلك، بل حتى الشيطان نفسه انما خلق وسلّط على البشرية ليكون وسيلة لترقيات البشر غير المحدودة نحو الكمال التي لا يُـنال إلاّ بالتسـابق والمجـاهـدة.
وامثال هذه الشرور والقبائح الجزئية خُلقت في الكون لتكون وسيلة لإظهار انواع الخير والجمال الكليين. وهكذا يثبت بالاستقراء التام أن المقصد الحقيقي في الكون والغاية الاساسية في الخلق انما هو: الخير والحسن والكمال، لذا فالانسان الذي لوّث وجه الارض بكفره الظالم وعصيانه الله لايمكن ان يفلت من العقاب، ويذهب الى العدم من دون ان يحق عليه المقصود الحقيقي في الكون. بل سيدخل سجن جهنم!
كما ثبت بالاستقراء التام وتحريات العلوم وابحاثها ان الانسان هو اكرم المخلوقات واشرفها. لأنه يستطيع أن يكشف بعقله عن مراتب الاسباب الظاهرية في خلق الكائنات ونتائجها، ويعرف العلاقات بين العلل والاسباب المتسلسلة، ويستطيع ان يقلّد بمهارته الجزئية الصنائع الالهية والايجاد الرباني المنتظم الحكيم، ويستطيع أن يدرك بعلمه الجزئي وبمهارته الجزئية اتقان الافعال الالهية، وذلك بجعل ما لديه من جزء اختياري ميزاناً جزئياً ومقياساً مصغّراً لدرك تلك الافعال الالهية الكلية والصفات الجليلة المطلقة.

لايوجد صوت