الخطبة الشامية | الكلمة الاولى | 14
(1-47)

فما دام هذا الداء قد فتك فينا الى هذا الحد، ويقتلنا على مرآى منا، فنحن عازمون على ان نقتصّ من قاتلنا، فنضرب رأس ذلك اليأس بسيف الآية الكريمة: ﴿لا تقنطوامن رحمة الله﴾(الزمر:53). ونقصم ظهره بحقيقـة الحديث الشريف: (ما لا يدرك كله لا يترك جلّه).
ان اليأس داء عضال للأمم والشعوب، أشبه ما يكون بالسرطان... وهو المانع عن بلوغ الكمالات، والمخالف لروح الحديث القدسي الشريف: (انا عند ظن عبدي بي).. وهو شأن الجبناء والسفلة والعـاجزين وذريعتهم، وليس هو من شأن الشهامة الاسلامية قط.. وليس هو من شأن العرب الممتازين بسجايا حميدة هي مفخرة البشرية. فلقد تعلّم العالم الاسلامي من ثبات العرب وصمودهم الدروس والعبر. وأملنا بالله عظيم أن يتخلى العرب عن اليأس ويَمدّوا يدَ العون والوفاق الصادق الى الترك الذين هم جيش الاسلام الباسل فيرفعوا معاً راية القرآن عالية خفّاقة في ارجاء العالم،ان شاء الله.

الكلمة الثالثة
"الصدق اساس الاسلام"
لقد علمتني زبدة تتبّعاتي وتحقيقاتي في الحياة بتمخض الحياة الاجتماعية أن:
"الصدق" هو أس اساس الاسلام، وواسطة العِقد في سجاياه الرفيعة ومزاج مشاعره العلوية. فعلينا اذاً أن نحيي الصدق الذي هو حجر الزاوية في حياتنا الاجتماعية في نفوسنا ونداوي به امراضنا المعنوية.
اجل! ان الصدق هو عقدة الحياة في حياة الاسلام الاجتماعية. أما الرياء فهو نوع من الكذب الفعلي، وأما المداهنة والتصنع فهو كذب دنئ مرذول. أما النفاق فهو كذب ضار جداً. والكذب نفسه انما هو افتراء على قدرة الصانع الجليل.
ان الكفر بجميع انواعه كذب. والايمان انما هو صدق وحقيقة. وعلى هذا فالبون شاسع بين الصدق والكذب بُعدَ ما بين المشرق والمغرب. وينبغي ان لا يختلط الصدق والكذب اختلاط النور والنار، ولكن السياسة الغادرة والدعاية الظالمة قد خلطتا احدهما بالآخر. فاختلطت كمالات البشرية ومثلها بسفسافها ونقائصها(1). 
---------------------------------------------------------
اتخاذ الدين اداة للسياسة ووسيلة لها. كلا! بل كان يعمل بكل ما لديه من قوة على جعل السياسة اداةً للدين، وكان يقول:(اني افضل حقيقة واحدة من حقائق الدين على ألف قضية سياسية من سياسات الدنيا).
نعم، لقد احسّ آنذاك -قبل ما يقارب الخمسين عاماً- ان بعض الزنادقة المنافقين يحاولون جعل الدين آلة للسياسة، فعمل هو أيضاً -بكل قوة- في مواجهة نواياهم ومحاولاتهم الفكرية تلك على جعل السياسة وسيلة من وسائل تحقيق حقائق الاسلام وخادمة لها.
بيد انه رأى بعد ذلك بعشرين سنة ان بعض الساسة المتدينين يبذلون الجهد لجعل الدين أداة للسياسة الاسلامية، تجاه جعل اولئك الزنادقة المنافقين المتسترين، الدين آلهً للسياسة بحجة التغرّب. ألا إن شمس الاسلام لن تكون تابعة لأضواء الارض ولا أداة لها. وان محاولة جعلها آلة لها تعني الحط من كرامة الاسلام، وهي جناية كبرى بحقه حتى ان(سعيداً القديم) قد رأى من ذلك النمط من التحيز الى السياسة: ان عالماً صالحاً قد اثنى بحرارة على منافق يحمل فكراً يوافق فكره السياسي وانتقد عالماً صالحاً آخر يحمل افكاراً تخالف افكاره السياسية، حتى وَصَمَه بالفسق. فقال له (سعيداً القديم): لو ان شيطاناً أيّد فكرك السياسي لأمطرتَ عليه الرحمات، اما اذا خالف أحدٌ فكرك السياسي للعنته حتى لو كان مَلَكاً!. لأجل هذا قال (سعيداً القديم) منذ خمس وثلاثين سنة (اعوذ بالله من الشيطان والسياسة) وترك السياسة . المؤلف.
ولما كان سعيد الجديد قد ترك السياسة كلياً ولا ينظر اليها قطعاً، فقد تُرجمت هذه الخطبة الشامية لسعيد القديم التي تمس السياسة.
ثم انه لم يثبت انه استغل الدين كاداة للسياسة طوال حياته التي استغرقت اكثر من ربع قرن، وفي مؤلفاته ورسائله التي تربو على مئة وثلاثين رسالة والتي دققت بأمعان من قبل خبراء مئات المحاكم بل حتى في احلك الظروف التي تلجئه الى السياسة لشدة مضايقات الظلمة المرتدين والمنافقين، بل حتى عندما اُصدر أمر اعدامه سراً، لم يجد أحدٌ منهم اية أمارة كانت عليه حول إستغلاله الدين لأجل السياسة.
فنحن طلاب النور نرقب حياته عن كثب ونعرفها بدقائقها لا نملك انفسنا من الحيرة والاعجاب ازاء هذه الحالة، ونعدّها دليلاً على الاخلاص الحقيقي ضمن دائرة رسائل النور.- طلاب النور.
(1) اخواني! يُفهم من هذا الدرس الذي ألقاه (سعيد القديم) قبل خمس واربعين سنة: ان سعيداً ذاك كان وثيق الصلة بالسياسة وبشؤون الاسلام الاجتماعية. ولكن حذار أن يذهب بكم الظن الى انه قد نهج

لايوجد صوت